اقتصادالعامة

اقتصاديون يدعون إلى تبني مقاربات اقتصادية تعتمد على الذات وتعزز الصمود

دعا عدد من الاقتصاديين الفلسطينيين إلى تبني مقاربات اقتصادية تقوم على الاعتماد على الذات، وتعزيز صمود المواطنين، لا سيما في ظل استمرار سيناريو الوضع الحالي، بما ينطوي عليه من وقف المساعدات الأميركية واقتطاع إسرائيل عائدات أسر الشهداء والأسرى من أموال المقاصة، إلى جانب استمرار الحصار على قطاع غزة، وسيطرة إسرائيل على الموارد الفلسطينية، وتبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي.

وأكدوا ضرورة الخروج من المقاربة القديمة المبنية على محددات وقيود اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، فتحديات المرحلة الحالية تتطلب أدوات جديدة تركز على التنمية والإنتاج، وليس فقط تلقي المساعدات الخارجية، التي وصلت وفق بعض التقارير إلى 37 مليار منذ نشأة السلطة، ولم تحقق المطلوب لجهة محاربة الفقر والبطالة، وتحريك عجلة الإنتاج الزراعي والاقتصادي. وتساءل البعض عن سبب تحويل جزء كبير من المبالغ المخصصة من المساعدات للتنمية لموازنات أخرى كالأمن والخدمات، داعيًا إلى مكافحة الفساد الذي ينخر الاقتصاد الفلسطيني.

وأشار متحدثون إلى أهمية خطة العناقيد التي طرحتها الحكومة في تعزيز التنمية على المستوى المحلي، لكنها لن تساعد في بناء اقتصاد وطني، كونها تحتاج إلى أن تكون جزءًا من رؤية وخطة متكاملة، وإلى موازنات كبيرة وإمكانيات لتنفيذها، وإلى سيادة على الأرض والموارد والحدود، وهذا غير متوفر في الظرف الحالي.

جاء ذلك خلال حلقة نقاش نظّمها مركز مسارات بعنوان “الاقتصاد الفلسطيني .. الواقع ومسارات المستقبل”، قُدمت خلالها ورقة أعدها كل من هالة جفّال وسعيد الآغا، من منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات، بحضور عشرات الاقتصاديين ورجال الأعمال والنشطاء والشباب. وقد أدار الحوار في البيرة خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، بينما أداره في غزة عماد أبو رحمة، المستشار في المركز.

وقال شاهين إن هذه الورقة عرضت في مؤتمر مسارات الثامن الذي عقد نهاية حزيران 2019، وقد خصصت لها هذه الحلقة لنقاش موسع ومخصص، وأشار إلى أن مركز مسارات أتاح الفرصة لـ 20 شابًا وشابة لتقديم أوراق في المؤتمر، وهم أعضاء في منتدى الشباب للسياسات الذي يشرف عليه المركز ويضم 120 شابًا وشابة، من خريجي/ات برنامج “التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات”، الذي ساهم في سد ثغرة في فلسطين، من خلال تخريج العشرات ممن يمتلكون مهارات التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات، إلى جانب الدراسات المستقبلية.

وقالت جفّال إن الاقتصاد الفلسطيني في الوقت الحالي، بفعل الظروف الداخلية والخارجية، فاقد للحيوية، وعاجز عن توليد فرص عمل، إلى جانب سوء الأداء الحكومي، وتعثر عمليات إعادة الإعمار في قطاع غزة.

وتطرقت إلى خطة العناقيد التنموية، موضّحة أنها تشجّع على الاستثمار في الموارد المحلية للمحافظة، مثل اعتبار بيت لحم عنقودًا سياحيًا، الخليل عنقودًا صناعيًّا، وقلقيلية عنقودًا زراعيًّا، كما أنها تحدث شكلًا من أشكال التكامل الاقتصادي على المستوى الوطني، لكنها تساءلت عن مدى مساهمتها في الاقتصاد الوطني، وهل هي ممكنة في ظل الوجود الإسرائيلي في الضفة، وسيطرته على الموارد والحدود؟

واستعرضت حالة الاقتصاد الفلسطيني من خلال مؤشرات الناتج المحلي والفقر والبطالة، إذ أشارت إلى تباطؤ حادّ في نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018 ليصل إلى 0.7% مقارنة مع 3% العام 2017، وإلى أن نسبة العجز في الميزان التجاري مرتفعة جدًا لصالح الواردات التي تشكل أربعة أضعاف الصادرات، في ظل تزايد اعتماد هيكل إيرادات السلطة على أموال المقاصة التي وصلت أكثر من ثلثي إجمالي الإيرادات العامة، إلى جانب ارتفاع نسب البطالة، وخاصة بين الجيل الشاب وخريجي الجامعات، وضعف الإنتاج، وسيادة ثقافة الاستهلاك.

من جهته، تطرق الآغا إلى السيناريوهات الثلاثة التي تناولتها الورقة، وهي: سيناريو بقاء الوضع الراهن الذي يقوم على المحافظة على الوضع الراهن قدر الإمكان، دون أي تطور نحو الأسوأ أو الأحسن، ما يعني أنه يشكل فرصة لإدارة الصراع دون تقديم أي حلول اقتصادية، وتثبيت لجبهة غزة عبر هدنة، وتوسع الاستيطان، والمحافظة على السلطة من الانهيار؛ وسيناريو أطروحات التسوية، من خلال عملية إدارة الصراع، ولكن عبر تسهيلات محدودة، تضمن عدم توجه السلطة للمؤسسات الدولية والمطالبة بحقوقها، وعدم توجه حماس لإحداث أي أعمال أمنية كما يحدث شرق غزة؛ وسيناريو فرض الحلول التصفوية، الذي يقوم على اتجاه إسرائيل للحلول الفردية حسب رؤيتها، سواء أكانت هذه الحلول تنفيذ الانفصال بين غزة والضفة، وضم مناطق (ج)، وانهيار السلطة وتحولها إلى سلطة بلا سلطة، وخطة التسوية الأميركية، وتعزيز الانفصال السكاني، أو حتى إعادة احتلال الضفة بأكملها وضمها إلى السيادة الإسرائيلية، مع العمل على فصلها عن غزة.

ورجح الآغا أن فرص تطور السيناريو الأول لأيٍّ من السيناريوهين الثاني أو الثالث واردة، ولا يمكن تجاهلها، وهو ما يعني ضرورة العمل بشكل جدي وحثيث على عدم إتاحة الفرصة لأي من العوامل للتأثير على السيناريو الأول، وتطويره باتجاه سيناريوهات غير مرغوبة، وقد تؤدي إلى مزيد من التدهور في الحالة الفلسطينية.

وأشار إلى أن فرص استمرار السيناريو الأول مرتفعة، على الأقل خلال السنوات الثلاث المقبلة، وبخاصة في ظل حالة الرفض الفلسطيني لأي جهود أو طروحات للتسوية، وهو ما يعني مزيداً من التدهور في المؤشرات الاقتصادية، ومزيداً من الضغط على الفلسطينيين وسلطتهم.

وتطرق الآغا إلى مجموعة من السياسات والإجراءات المقترحة على مستوى المالية العامة، والقطاع الخاص والعلاقات الاقتصادية، الموارد الطبيعية والبشرية، والمساعدات.

ودعا بعض المتحدثين إلى ضرورة الفصل في تحليل المؤشرات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي سينعكس على بناء السيناريوهات. وأشار آخرون إلى أن الوضع في غزة أسوأ من الضفة الغربية، وفي ضوء السيناريوهات التي عرضتها الورقة سيستمر الوضع نحو الأسوأ، داعين إلى تعزيز الصمود وتبني اقتصاد تكافلي وبناء تحالفات مع دول العالم.

وأشاد الحضور بالجهد المبذول في إعداد الورقة، ودور مركز مسارات في تأهيل الباحثين الشباب وتوفير منابر للنقاش العام بمشاركتهم. وقدم البعض ملاحظات على مدى ملائمة منهجية إعداد الورقة للسياق الفلسطيني، وبخاصة من حيث اعتماد خطة التنمية كأسلس لتحليل السيناريوهات، مؤكدًا أن هذه الخطة، التي لا تجد طريقها للتطبيق، ليست مرجعًا لأي تحليل اقتصادي مبني على السيناريوهات المحتملة، وأن بناء السيناريوهات مرتبط بالحالة الاقتصادية، في حين دعا آخرون إلى المواءمة ما بين السيناريوهات والسياسات المقترحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى