شرفة

مبادرة في خدمة الانقسام

كتب مهند عبد الحميد: بدون مقدمات، أعلنت 8 تنظيمات فلسطينية عن مبادرة لإنهاء الانقسام. البند الأول يقدر الجهود المصرية المبذولة لإنهاء الانقسام. مع ان تلك الجهود لم تحرز أي نجاح  وباتت محط تساؤل؟ فيما إذا كان إنهاء الانقسام أولوية مصرية أو محط اهتمام دوائر صنع القرار، خاصة وأن الدولة المصرية تملك أوراقا ضاغطة كبيرة على «حماس» بشكل خاص، وبمستوى أقل على السلطة والمنظمة من جهة أخرى.

يستطيع المراقب الاعتقاد ان الأولوية المصرية تنحصر أولا في تقليص وإنهاء المخاطر الأمنية الناجمة عن تعاون مجموعات متطرفة من داخل قطاع غزة مع «داعش» سيناء. ويأتي في المرتبة الثانية من الاهتمام المصري، التوصل الى اتفاق التهدئة بين «حماس» وإسرائيل.

هذا الاتفاق وفقا لمعطياته وبنوده المتداولة في وسائل الإعلام الإسرائيلية يكرس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وبقاء سلطة «حماس» كتحصيل حاصل. التعايش بين الدور المصري في موضوع التهدئة والدور القطري الذي يوفر مقومات إنجاح اتفاق التهدئة وتحصيل حاصل تثبيت سلطة «حماس»، يفسر ضعف الحماس المصري لإنهاء الانقسام.

كان على التنظيمات اليسارية التي تروج للمبادرة ان تتوقف عند دور العامل الخارجي في دعم وتكريس فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وهو هدف إسرائيلي معلن على رؤوس الأشهاد. وان لا تضع الرأس في الرمال بتقديرها للجهود المصرية. لأن مشروع إنهاء الانقسام يستدعي تحديد العوائق الخارجية والعمل على فكفكتها وإبطال مفعولها، بدلا من تعويمها وتشويش الرأي العام بها.
البند الثاني من المبادرة: اعتبار جميع الاتفاقات الموقعة منذ العام 2005 حتى العام 2017 جميعها مرجعية لاتفاق المصالحة. ولما كانت الاتفاقات المذكورة فيها بنود لمصلحة حركة حماس وفيها بنود لمصلحة حركة فتح، فإن تقديمها كرزمة مرجعية سيدفع الحركتين للتمترس عند البنود التي تلائمها.

ومن المعروف ان تلك الاتفاقات كانت حصيلة شروط وأوضاع سياسية، ولم تطبق سابقا. إن فشل الاتفاقات السابقة يدعو أي قوى سياسية لها مصلحة او حريصة على إنهاء الانقسام، للبحث عن جديد، جديد في البنود، وجديد في الأسلوب لا ان تعيد تقديمها كما هي.

وإذا كانت الاتفاقات السابقة من صنيعة «فتح» و»حماس» والأطراف الراعية، فأين الرؤية الخاصة بالتنظيمات اليسارية من ناحية التشخيص والحل لماذا تتبع حلول وتصورات الآخرين وتكتفي بمطالبة التنظيمين بالتطبيق. لماذا لا تبحث عن جذور الانقسام وتقدم رؤيتها الخاصة. هناك استنتاج يقول إن من أسباب استمرار الانقسام وعدم استجابة «فتح» و»حماس» لإنهائه، هو وجود حالة من التوازن بين التنظيمين، وان الإخلال بالتوازن لم يحدث طوال سنوات الانقسام التي فاقت عقدا من الزمن ليس فقط من قبل إحدى الحركتين، ولكن بسبب استنكاف وعجز تنظيمات اليسار مجتمعة ومنفردة عن إخلال التوازن. وتشكيل ما يسمى بيضة القبان. بحيث يستطيع القطب الثالث المستقل من الضغط  على الحركتين او على إحداهما لإنهاء الانقسام او لعزل الطرف الذي لا يستجيب للمصلحة الوطنية.

لن تتغير العلاقات والاستجابات بمعزل عن تغيير ميزان القوى الداخلي. هذا ما تقوله تجارب آخرها التجربة الإسرائيلية، حين استطاع ليبرمان بثمانية مقاعد قلب الطاولة، وحين حولت القائمة المشتركة مهمة نتنياهو في تشكيل الحكومة إلى مهمة صعبة المنال.

لماذا يهرب اليسار مجتمعا ومنفردا من مهمة استعادة هويته ودوره المستقل ومن مهمة دمقرطة تنظيماته وفرض حضوره في المعارك السياسية  والوطنية وفي ممارسة النقد الذاتي ونقد السياسات الرسمية والفئوية، وفرض حضوره في المعارك الاجتماعية كمعركة الضمان الاجتماعي والمعلمين والتعليم. بدلا من ذلك اختارت تنظيمات اليسار الوساطة والنصح والإرشاد وإعادة تدوير التفاهمات في محاولة بائسة لإثبات حضور. إذا كان الخطر المحدق الذي يستدعي وحدة الشعب وقواه السياسية لم يدفع المنقسمين الى تغيير في المواقف، فإن مناشدة التنظيمات اليسارية لن تؤدي الى شيء، وحده العمل الشعبي المنظم والتغيير في موازين القوى، يستطيع ذلك.

لقد تحدث قيادي يساري متحمس للمبادرة عن توفير الدعم الشعبي لضمان تنفيذها. ولكن وبحسب التجربة، لقد سيطرت حركة حماس على الحراك الشعبي وقايضت به، وكان يمكن لمسيرات العودة ان تكون مستقلة نسبيا عن سلطة «حماس»، وكان يمكن ان تمتد الى الضفة الغربية وتكون مستقلة نسبيا عن سلطة «فتح». لكن التنظيمات اليسارية وغيرها امتثلت لإرادة «حماس» وشكلت الغطاء لها دون ان تحاول تمييز نفسها في الموقف وعلى الأرض.

السؤال كيف للتنظيمات اليسارية ان تأتي بالدعم الشعبي لمبادرتها، بدون بناء استقطاب مستقل يستطيع ان يؤثر في حشد «حماس» في غزة وحشد «فتح» في الضفة. ما عدا ذلك فإن الحشد الذي تتحكم فيه «حماس» ستكون وجهته الضغط على «فتح»، الشيء نفسه ينطبق على حشد «فتح»، ولن تغير مشاركة اليسار في الحشد في وجهته.
البند الثالث: عقد اجتماع للأمناء العامين للفصائل ولجنة تطوير وتفعيل منظمة التحرير للاتفاق على جدول زمني ومرحلة انتقالية يجري فيها تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتُبحث آلية عملها آليات الانتخابات الشاملة على قاعدة التمثيل النسبي الكامل. والبند الثالث: منظمة التحرير الفلسطينية وسبل تنفيذ الاتفاقيات المعقودة بشأنها.

البندان فيهما انحياز سافر لموقف حركة حماس. وللتدليل على ذلك فإن ذلك يعيدنا الى اجتماع موسكو الذي رفضت فيه حركة حماس ومعها حركة الجهاد التوقيع على بيان قدمته الخارجية الروسية وفيه بند يقول ان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وهو النص المعتمد لدى أكثرية دول العالم. كيف يمكن تجاوز الشرعية والبحث في السيطرة عليها في الوقت نفسه، كيف يروج هذا الموقف من قبل تنظيمات اشتهرت بالدفاع عن شرعية التمثيل؟

صحيح أن مؤسسات المنظمة وآليات عملها بحاجة الى تغيير وتطوير قد يصل الى مستوى جذري، تغيير لا يشترط وضع الشرعية جانبا، التغيير يكون من خلال المجلس الوطني والمركزي، من داخل الشرعية. لذا فإن المطلوب من «حماس» و»الجهاد» دخول المؤسسة الشرعية والعمل من داخلها. لا يمكن وضع الشرعية جانبا والذهاب الى إطار مؤقت مع قوى لا تعترف بها.لا يمكن وضع شروط مسبقة للاعتراف بالمنظمة. صحيح ان الإطار المؤقت لمنظمة التحرير موجود كبند في اتفاق سابق وكان يعبر عن غفلة المفاوض الفتحاوي وكل الأعضاء المشاركين والمصدقين على الاتفاق في منظمة التحرير.

المبادرة في مضمونها منحازة لحركة حماس، وتشكل غطاء لسيطرتها على قطاع غزة وفصله. وتخدم الانقسام. مطلوب مبادرة مستقلة عن «حماس» أولا وعن «فتح» ثانيا، مطلوب يسار يطرح قضية الديمقراطية ويدافع عنها في مواجهة انتهاكات «فتح» و»حماس» وغيرهما.
Mohanned_t@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى