
لم يعد مخطط ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل مجرد شعار يطلقه اليمين المتطرف، على شاكلة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وإنما هو مخطط يجري تنفيذه. وتنفذه الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بشكل رسمي من خلال خطوات على الأرض.
حكومة نتنياهو هي حكومة يمين صهيوني متطرف وعنصري وفاشي، ومن هذه الناحية لا فرق بين الأحزاب التي تتألف منها. فلا فرق بين حزب الليكود وحزبي سموتريتش وبن غفير، والأحزاب الحريدية لا يهمها سوى مصالحها الفئوية الخاصة طالما أنها تتحقق في إطار حكومة نتنياهو.
وخطاب وزراء حزب الليكود مطابق لخطاب حزبي سموتريتش وبن غفير بما يتعلق بتنفيذ مخطط الضم، وسياسات أخرى أيضا. ولذلك، لا توجد أي إمكانية للتفريق بين أحزاب يمين وأحزاب يمين متطرف. جميعها يمين متطرف.

إن مخطط الضم هو عمليًّا مخطط تطهير عرقي في الضفة الغربية، مواز لمخطط الإبادة الجماعية، الذي يشمل التطهير العرقي، في قطاع غزة. هذا يعني أن حكومة نتنياهو تنفذ مخطط تطهير عرقي في فلسطين التاريخية كلها، ويشمل فلسطينيي الـ48 أيضا، الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية، وإن يكن بشكل أبطأ وبوسائل أخرى، من ضمنها استفحال الجريمة في المجتمع العربي من دون أن تواجهها “الدولة”، وإنما بتغذيتها. وهذا الوضع دفع الآلاف على الأقل من الأسر العربية، حتى الآن، إلى مغادرة البلاد “لعدة سنين”، أو الهجرة أو شراء بيوت في أوروبا.
وإسرائيل، التي اعتادت على انتهاك القانون والشرائع الدولية دون محاسبة ومعاقبة دولية، لم تعد تكترث بنظرة العالم إليها والإدانات الدبلوماسية الخجولة بغالبيتها بعد حرب الإبادة في غزة، ما يشجعها على تنفيذ مخطط الضم والتطهير العرقي، خصوصا وأن هذا مدعوم بتطبيع علاقات مع دول عربية.
ومنذ بداية الحرب على غزة، صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية في الضفة، التي شملت تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من مخيمات اللاجئين، واستشهاد المئات، ونصب مئات الحواجز العسكرية بهدف التنكيل بالفلسطينيين وتنغيص حياتهم، واعتداءات المستوطنين اليومية على القرى الفلسطينية. وإلى جانب هذا كله، تنفذ إسرائيل، يوميا، عمليات هدم بيوت ومبانٍ في أنحاء الضفة، وهذا يشمل القدس المحتلة.
رئيس الشاباك ليس بريئا
لعل الحدث الأبرز على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، هذا الأسبوع، هو التصريح المشفوع بالقسم الذي قدمه رئيس الشاباك، رونين بار، إلى المحكمة العليا في إطار الالتماسات التي تطالب بإلغاء قرار الحكومة بإقالته.

وتضمن تصريح بار تهمًا خطيرة ضد نتنياهو، بينها أن الأخير طالبه بالانصياع له وليس للمحكمة العليا في حال نشوء أزمة دستورية، والتجسس على مواطنين يشاركون في الاحتجاجات ضد نتنياهو وحكومته، ومنع نتنياهو تسجيل المحادثات بينهما خلافا للقانون.
بكلمات أخرى، بار وصف نتنياهو ضمنيًّا بأنه ديكتاتور. وادعى بار أن هدفه هو منع تحول إسرائيل من الديمقراطية إلى الديكتاتورية وعواقب ذلك على الدولة. غير أن بار ليس بريئًا من كل هذا. ولو لم يقرر نتنياهو إقالته لما وجه بار، ورؤساء سابقين للشاباك، اتهامات لنتنياهو. فهم يصمتون في الغالبية العظمى من الحالات التي يخرق فيها رؤساء الحكومات القانون.
عدا عن ذلك، بار هو شريك كبير، بصفته رئيس الشاباك كغيره من أسلافه في المنصب، في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، خلال حرب الإبادة في غزة وتنفيذ مخطط الضم في الضفة، وفي التقاعس حيال استفحال الجريمة في المجتمع العربي. وإلى جانب هذا كله، هو شريك في التساهل حيال إرهاب المستوطنين.
في هذه الأثناء، هاجم سموتريتش رئيس أركان الجيش الجديد، إيال زامير، خلال اجتماع الكابينيت السياسي – الأمني، الثلاثاء الماضي، بعد أن رفض الأخير أن يتولى الجيش توزيع المساعدات الإنسانية على السكان الغزيين في حال السماح بدخولها. وهدد سموتريتش زامير بأن بإمكان الذي عيّنه أن يقيله. ونقلت وسائل إعلام عن وزراء قولهم إن سموتريتش كان حازمًا جدًّا تجاه زامير. لكن في اليوم التالي، بدا سموتريتش كمن تراجع عن تهديده، وقال إن لا ادعاءات لديه ضد زامير وأن انتقاداته موجهة لنتنياهو. ولا شك في أن نتنياهو طالبه بهذا التراجع وأن ينتقده شخصيًّا كي لا يثير أزمة حول الجيش.
إثر ذلك، انبرى محللون إسرائيليون يدافعون عن زامير، وحتى أن أحدهم، عوفِر شيلَح، دعاه إلى أن يفعل مثلما فعل رئيس الشاباك المُقال. أي أن يقف في وجه نتنياهو ووزرائه. وقد يبدو المحلل ساذجًا، لكن دعوته لزامير كانت في إطار مقارعة نتنياهو لا غير.
وعلى الأرجح أن يحدث العكس، وأن يكون زامير قد استخلص العبرة مما جرى لرئيس الشاباك وإقالته بشكل مهين. وليس فقط أن زامير لن يقف في وجه نتنياهو، وإنما سيعمق التعاون معه ومع وزرائه، خصوصا وأن استئناف الحرب على غزة يجري بموجب الخطط العسكرية التي وضعها بنفسه. وقد يختلف زامير مع الحكومة في بعض الأمور، لكن لا يتوقع أن يخرج الخلافات إلى العلن ويصعدها.
ويواصل الجيش الإسرائيلي بقيادة زامير حرب الإبادة نفسها باستهداف المدنيين الغزيين. لكن يبدو أن الجيش الإسرائيلي لا يعلم مكان تواجد قوات حماس. ورغم ذلك، يعلن زامير أن هدفه هو القضاء على حماس وإعادة الأسرى الإسرائيليين، وهما هدفا الحرب اللذان لم يتحققا منذ بدايتها قبل 19 شهرا، ولن يتحققا في ظل الحرب. ويدل ذلك على التقاء أهداف نتنياهو وزامير باستمرار حرب من أجل بقاء نتنياهو في الحكم وحسب.