شرفة

غارات “إسرائيل”: استباق لا قرار حرب

كتب حمزة ابو شنب: تفضل “إسرائيل” سياسة الإحباط والملاحقة الموضعية على الحرب الواسعة لتجنب أية مواجهة شاملة، كما أنها غير راغبة في المرحلة الراهنة في الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران. قد يكون اختيار “إسرائيل” تنفيذ عملية أمنية لا عسكرية في بيروت، محاولة لتغيير قواعد الاشتباك، واختبار إمكانات المقاومة من خلال احتكاك أمني أو الرد عليه، تدرك أنه لن يفتح حرباً شاملة، لا قدرة لها على خوضها بعد تخلي حلفائها العرب عن فكرة “التحالف” في وجه إيران وحلفائها.

شنّ سلاح الجو الإسرائيلي بالطائرات المسيّرة العديد من الغارات الجوية على قوى في محور المقاومة، باستهدافه ليلة أمس منزلاً يقطن به عناصر من حزب الله اللبناني على أطراف دمشق، بالتزامن مع إحباط هجوم بطائرتين مسيّرتين على الضاحية الجنوبية لبيروت، وهجوم آخر صباح الإثنين على مقر للجبهة الشعبية – القيادة العامة في البقاع اللبناني.

حصل هذا في ظل مواصلة “إسرائيل” استهداف مخازن الأسلحة وقيادات من الحشد الشعبي العراقي. وكان لافتاً الإعلان الإسرائيلي السريع عن تبني الهجوم في سوريا، في حين لم تقدّم “إسرائيل” أيّاً من المعطيات العملياتية حول حادثة الضاحية الجنوبية، وتبنى نتنياهو الاستهداف في العراق عبر التصريح بأن قواته تلاحق حلفاء إيران في كل مكان: لبنان والعراق وسوريا.

سرعة التبني الإسرائيلي، وتقديم معطيات من الجهات الاستخبارية حول استهداف عناصر حزب الله في سوريا تقودنا إلى دافعين، الأول مرتبط برئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، والذي يريد أن يحقق مكاسب انتخابية في ظل سخونة المنافسة والخشية من عدم تقلد حزبه المركز الأول، وإظهار شخصيته بقوة وحزم أمام الجمهور الإسرائيلي، وهي ذات الأسباب التي دفعته للاعتراف باستهداف قوات الحشد الشعبي العراقية، في محاولة منه للاستفادة وتوظيف أي حدث يخدمه على الصعيد الانتخابي، بالإضافة إلى ما سيحققه من مكاسب على صعيد تقوية علاقاته مع الدول العربية المعادية لإيران.

أما الدافع الثاني، فهو مرتبط بالجيش الإسرائيلي الذي يهدف من خلالها تبرير عملية الاستهداف بأنه محاولة إحباط هجوم عسكري على “إسرائيل”، واستعراض القدرات الاستخبارية، والعمل على تهيئة الجبهة الداخلية الإسرائيلية من أي رد فعل محتمل، والتأكيد على استراتيجية الخطوط الحمر في سوريا، وهي نقل سلاح كاسر للتوازن لحزب الله، محاربة التواجد الإيراني في سوريا، واستهداف أي نشاط مقاوم ينطلق من سوريا.. لكن لحد الساعة، لا تغيير على قواعد الاشتباك في سوريا فالسلوك الإسرائيلي متواصل.

حادثة بيروت تمثل سابقة خطيرة وتجاوزاً لقواعد الاشتباك بين “إسرائيل” و”حزب الله”، وقد تعمّد الاحتلال تجاهل هذه الحادثة، ولم يتطرق لها بالرواية الرسمية أو المصادر المقربة.

المسيّرات الإسرائيلية في قطاع غزّة غالباً ما تشمل طائرات غير محمّلة بالصواريخ، وأخرى محمّلة، بمعنى طائرة للاستطلاع والرصد وتحديد الهدف، والثانية للتنفيذ. فهل تكون عملية الضاحية الأمنية الفاشلة بمسيّرتين، محاولة لاستهداف شخصية مركزية في المقاومة؟.

السلوك الإسرائيلي في هذا التوقيت يثير تساؤلاً مهماً: هل “إسرائيل” ترغب في استدراج حلفاء إيران إلى مواجهة واسعة؟.

يمكن الجزم بأن “إسرائيل” لا ترغب في أية مواجهة واسعة في المرحلة الراهنة، على أي من جبهات القتال خاصة الشمال مع “حزب الله”، والجنوب مع المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسهم حركة حماس وهذا يعود لأسباب عدة:

أولاً: قرب الانتخابات الإسرائيلية، ما يدفع رئيس حكومة الاحتلال للابتعاد عن أية مواجهة واسعة تفقده استعراضه الدعائي، وتقديم نفسه كرجل الأمن الأول في “إسرائيل”.

ثانياً: ثمة قناعة لدى صنّاع القرار بأن قرار البدء بمواجهة بيد حكومة الاحتلال، ولكن أنهاء الحرب بيد المقاومة على الجبهات المتعددة.

ثالثاً: غياب الأهداف الاستراتيجية للمواجهة الواسعة في لبنان أو غزة، فأية مواجهة لن تقضي على “حزب الله” في لبنان، واستهداف لبنان ومنشآته الحيوية لا يحقق الهدف من ردع الحزب، وتجربة حرب تموز 2006 واضحة أمامهم.

رابعاً: المعطيات المعلوماتية الإسرائيلية عن إمكانيات “حزب الله” في لبنان وقدرته على تعطيل المصالح الحيوية في الداخل المحتل، ومسّ استقرار الجبهة الداخلية يمثل كابحاً مهماً جداً في القرار الإسرائيلي.

خامساً: بُنيت الاستراتيجية العسكرية لرئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي على الحرب الجوية الخاطفة والسريعة لتحقيق الانتصار، وهذه لا يمكن أن تنجح خلال مواجهة “حزب الله” في لبنان أو المقاومة الفلسطينية.

سادساً: ثمّة قناعة لدى قيادة الاحتلال بأن إيران تعمل في سوريا وفق استراتيجية بعيدة المدى، وسياسة المراكمة لا رد الفعل، ما يدفعها لتجاهل السلوك الإسرائيلي في سوريا.

وبناءً عليه تفضل “إسرائيل” سياسة الإحباط والملاحقة الموضعية على الحرب الواسعة لتجنب أية مواجهة شاملة، كما أنها غير راغبة في المرحلة الراهنة في الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران.

في المقابل تعتبر استراتيجيته باستهداف الحلفاء الحل الأنجع.

وبالرغم من قرار “حزب الله” بالرد على “إسرائيل”، إلا أن كوابح الحرب الشاملة ما زالت حاضرة، حيث أن إدراك الإسرائيلي لتعاظم قدرة “حزب الله” العسكرية والقتالية، وضعها تحت ضغط وتخبّط لتنفيسه.

قد يكون اختيار “إسرائيل” تنفيذ عملية أمنية لا عسكرية في بيروت، محاولة لتغيير قواعد الاشتباك، واختبار إمكانات المقاومة من خلال احتكاك أمني أو الرد عليه، تدرك أنه لن يفتح حرباً شاملة، لا قدرة لها على خوضها بعد تخلي حلفائها العرب عن فكرة “التحالف” في وجه إيران وحلفائها.

عن موقع الميادين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى