شرفة

هل ينهي تحرير الضرائب على المحروقات الازمة المالية

تحرير الضرائب على المحروقات من المقاصة تغيير جوهري في بروتوكول باريس
كتب جعفر صدقة :على مدى ساعات، حظي الإعلان عن اتفاق بشأن إحالة جباية الضرائب على المحروقات المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية إلى الحكومة الفلسطينية مباشرة، بدلا من جبايتها من قبل إسرائيل نيابة عن السلطة ضمن ما يعرف بالمقاصة، والتي تشكل بمجملها ثلثي الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، باهتمام واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

لكن اللافت أيضا، أن نقاش الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا، ينم عن جهل عميق بهيكلية الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، وطبيعة العلاقة الاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، المحكومة لـ”بروتوكول باريس”، وفي جوهره وضع الأراضي الفلسطينية بغلاف جمركي واحد مع إسرائيل، ومكنها من التحكم بثلثي الإيرادات العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، واستخدامها لابتزاز القيادة الفلسطينية.

تتكون المقاصة من الضرائب والجمارك على الواردات الفلسطينية من الخارج ومن إسرائيل، تجبيها وزارة المالية الإسرائيلية مباشرة على الحدود والمعابر بمجرد دخول البضاعة، مقابل عمولة 3%، على أن توردها للخزينة الفلسطينية في نهاية كل شهر، ووصل مجموعها في السنوات الأخيرة إلى حوالي 700 مليون شيقل شهريا، ثلثها او أكثر قليلا (حوالي 220 مليون شيقل شهريا)، يتأتى من الضرائب على المحروقات، وهي نوعان: ضريبة القيمة المضافة، وما يعرف بضريبة “بلو”، وهما تشكلان مجتمعتين أكثر من نصف أسعار المحروقات للمستهلك.

لقد أفضى تمادي إسرائيل بالتلاعب بهذه العائدات، وآخرها اقتطاع 42 مليون شيقل شهريا توازي ما تدفعه الحكومة الفلسطينية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، ليصل بذلك مجموع الاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصة إلى نحو 200 مليون شيقل شهريا، إلى ردة فعل حازمة من القيادة الفلسطينية برفض استلام كامل المقاصة إذا كانت ناقصة قرشا واحدا، مطالبة بتوقف إسرائيل عن أية اقتطاعات من طرف واحد، ودون تدقيق وموافقة من الحكومة الفلسطينية، فبقيت هذه العائدات محتجزة لدى إسرائيل، ما ادخل الحكومة الفلسطينية في أزمة سيولة هي الأخطر منذ قيام السلطة الوطنية في العام 1994.

منذ بدء الأزمة في شباط الماضي، طرحت عدة مقترحات من أطراف دولية، لتجاوزها، لكن القيادة الفلسطينية رفضتها جميعها لانطوائها على مضمون سياسي يمس بمكانة الشهداء والجرحى والأسرى، ويتساوق مع المساعي الإسرائيلية باعتبار هؤلاء “إرهابيين”، بينما هم مناضلون من اجل حرية شعبهم، أو ضحايا للإرهاب الإسرائيلي، خصوصا ان الحديث يدور عن أموال فلسطينية صرفة، يدفعها المواطن الفلسطيني من جيبه مسبقا، وليس منة او مساعدة من إسرائيل، وليس لها أي حق، لا بالقانون الدولي ولا في الاتفاقات الثنائية، باقتطاع قرش واحد منها.

في الفترة الأخيرة، طرح على الطاولة اقتراح بإخراج الجمارك والضرائب على المحروقات من المقاصة، وتحويلها إلى جباية محلية مباشرة من قبل وزارة المالية الفلسطينية، وبأثر رجعي منذ بداية العام 2019، ما يعني تحرير حوالي ملياري شيقل من المقاصة المحتجزة في إسرائيل، وهو مبلغ يأتي في وقت دخلت فيه الأزمة المالية منعطفا خطرا مع استنفاذ الأدوات المالية الصرفة في التعامل مع الأزمة.

في الحقيقة إن المقترح هو مقترح فلسطيني، وهو في جوهره ليس جديدا، وماطلت إسرائيل في بحثه والتعامل معه لفترة ليست قصيرة، وبعد مفاوضات مضنية، وسلسلة اجتماعات ضمت وزير المالية شكري بشارة ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ مع وزير المالية الإسرائيلي، وتحت ضغوط المخاوف الأمنية الإسرائيلية من تداعيات تلاعبها بعائدات المقاصة، أبلغت إسرائيل الجانب الفلسطيني موافقتها على المقترح، وبأثر رجعي منذ بداية العام.

ماليا، فان حل الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الوطنية، يجب أن يكون باستعادة أموال المقاصة كاملة غير منقوصة، وهي حق فلسطيني خالص، لكن تحرير الضرائب على المحروقات، والبالغة حوالي 220 مليون شيقل شهريا، يرفع من قدرة القيادة الفلسطينية على إدارة الأزمة، وتخفيف الضغط الشديد الذي يتحمله المواطن، والاقتصاد عموما، دون ان تتراجع عن موقفها المبدئي برفض أية اقتطاعات من جانب واحد، والإصرار على مواصلة تحمل مسؤولياتها تجاه عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، الى حين حل المشكلة سياسيا بإعادة كامل المقاصة.

لكن الأهم من كل ذلك، هو إخراج/ تحرير اكبر مورد من موارد الخزينة الفلسطينية، المتمثل بالضرائب على المحروقات، من تحكم إسرائيل، بسلخه عن المقاصة معها، وارتفاع حصة الجباية المحلية في إجمالي إيرادات الخزينة الفلسطينية، وإجراء في غاية الأهمية لجهة سيطرة الحكومة الفلسطينية على مواردها، وبالتالي قرارها المالي، وهو هدف سعت إليه الحكومات الفلسطينية المتعاقبة منذ قيام السلطة، وهنا تكمن الأهمية الكبرى في هذا التحول، مع عدم التقليل من الأثر المالي قصير الأمد، وبهذا فان ما جرى بشأن الضرائب على المحروقات سابقة في غاية الأهمية يمكن البناء عليها في التعامل مع باقي مكونات المقاصة، بما يضمن عدم تحكم إسرائيل بها واستخدامها لابتزاز القيادة الفلسطينية.

كذلك، فان سيطرة الحكومة الفلسطينية على ضرائب المحروقات، من شأنه تسهيل مساعيها لاستيراد مشتقات النفط من الخارج، بما ينطوي عليه ذلك من قدرة على التسعير وفقا لمصلحة الاقتصاد الفلسطيني حصرا، وليس كما هو الحال الآن تبعا لمصالح الاقتصاد الإسرائيلي دون أي اعتبار للمصلحة الفلسطينية، سواء على صعيد الاقتصاد ككل، او على صعيد المواطنين الأفراد.

باختصار، فان تحرير الضرائب على المحروقات من آلية المقاصة مع إسرائيل، يمكن أن يشكل بداية لتغيير جوهري في بروتوكول باريس، بما يحفف من وطأته وإجحافه بالاقتصاد الفلسطيني، والخزينة العامة الفلسطينية، وهو يقع في جوهر التوجهات نحو “فك التبعية” للاقتصاد الإسرائيلي.

على مدى ساعات، حظي الإعلان عن اتفاق بشأن إحالة جباية الضرائب على المحروقات المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية إلى الحكومة الفلسطينية مباشرة، بدلا من جبايتها من قبل إسرائيل نيابة عن السلطة ضمن ما يعرف بالمقاصة، والتي تشكل بمجملها ثلثي الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، باهتمام واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

لكن اللافت أيضا، أن نقاش الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا، ينم عن جهل عميق بهيكلية الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، وطبيعة العلاقة الاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، المحكومة لـ”بروتوكول باريس”، وفي جوهره وضع الأراضي الفلسطينية بغلاف جمركي واحد مع إسرائيل، ومكنها من التحكم بثلثي الإيرادات العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، واستخدامها لابتزاز القيادة الفلسطينية.

تتكون المقاصة من الضرائب والجمارك على الواردات الفلسطينية من الخارج ومن إسرائيل، تجبيها وزارة المالية الإسرائيلية مباشرة على الحدود والمعابر بمجرد دخول البضاعة، مقابل عمولة 3%، على أن توردها للخزينة الفلسطينية في نهاية كل شهر، ووصل مجموعها في السنوات الأخيرة إلى حوالي 700 مليون شيقل شهريا، ثلثها او أكثر قليلا (حوالي 220 مليون شيقل شهريا)، يتأتى من الضرائب على المحروقات، وهي نوعان: ضريبة القيمة المضافة، وما يعرف بضريبة “بلو”، وهما تشكلان مجتمعتين أكثر من نصف أسعار المحروقات للمستهلك.

لقد أفضى تمادي إسرائيل بالتلاعب بهذه العائدات، وآخرها اقتطاع 42 مليون شيقل شهريا توازي ما تدفعه الحكومة الفلسطينية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، ليصل بذلك مجموع الاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصة إلى نحو 200 مليون شيقل شهريا، إلى ردة فعل حازمة من القيادة الفلسطينية برفض استلام كامل المقاصة إذا كانت ناقصة قرشا واحدا، مطالبة بتوقف إسرائيل عن أية اقتطاعات من طرف واحد، ودون تدقيق وموافقة من الحكومة الفلسطينية، فبقيت هذه العائدات محتجزة لدى إسرائيل، ما ادخل الحكومة الفلسطينية في أزمة سيولة هي الأخطر منذ قيام السلطة الوطنية في العام 1994.

منذ بدء الأزمة في شباط الماضي، طرحت عدة مقترحات من أطراف دولية، لتجاوزها، لكن القيادة الفلسطينية رفضتها جميعها لانطوائها على مضمون سياسي يمس بمكانة الشهداء والجرحى والأسرى، ويتساوق مع المساعي الإسرائيلية باعتبار هؤلاء “إرهابيين”، بينما هم مناضلون من اجل حرية شعبهم، أو ضحايا للإرهاب الإسرائيلي، خصوصا ان الحديث يدور عن أموال فلسطينية صرفة، يدفعها المواطن الفلسطيني من جيبه مسبقا، وليس منة او مساعدة من إسرائيل، وليس لها أي حق، لا بالقانون الدولي ولا في الاتفاقات الثنائية، باقتطاع قرش واحد منها.

في الفترة الأخيرة، طرح على الطاولة اقتراح بإخراج الجمارك والضرائب على المحروقات من المقاصة، وتحويلها إلى جباية محلية مباشرة من قبل وزارة المالية الفلسطينية، وبأثر رجعي منذ بداية العام 2019، ما يعني تحرير حوالي ملياري شيقل من المقاصة المحتجزة في إسرائيل، وهو مبلغ يأتي في وقت دخلت فيه الأزمة المالية منعطفا خطرا مع استنفاذ الأدوات المالية الصرفة في التعامل مع الأزمة.

في الحقيقة إن المقترح هو مقترح فلسطيني، وهو في جوهره ليس جديدا، وماطلت إسرائيل في بحثه والتعامل معه لفترة ليست قصيرة، وبعد مفاوضات مضنية، وسلسلة اجتماعات ضمت وزير المالية شكري بشارة ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ مع وزير المالية الإسرائيلي، وتحت ضغوط المخاوف الأمنية الإسرائيلية من تداعيات تلاعبها بعائدات المقاصة، أبلغت إسرائيل الجانب الفلسطيني موافقتها على المقترح، وبأثر رجعي منذ بداية العام.

ماليا، فان حل الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الوطنية، يجب أن يكون باستعادة أموال المقاصة كاملة غير منقوصة، وهي حق فلسطيني خالص، لكن تحرير الضرائب على المحروقات، والبالغة حوالي 220 مليون شيقل شهريا، يرفع من قدرة القيادة الفلسطينية على إدارة الأزمة، وتخفيف الضغط الشديد الذي يتحمله المواطن، والاقتصاد عموما، دون ان تتراجع عن موقفها المبدئي برفض أية اقتطاعات من جانب واحد، والإصرار على مواصلة تحمل مسؤولياتها تجاه عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، الى حين حل المشكلة سياسيا بإعادة كامل المقاصة.

لكن الأهم من كل ذلك، هو إخراج/ تحرير اكبر مورد من موارد الخزينة الفلسطينية، المتمثل بالضرائب على المحروقات، من تحكم إسرائيل، بسلخه عن المقاصة معها، وارتفاع حصة الجباية المحلية في إجمالي إيرادات الخزينة الفلسطينية، وإجراء في غاية الأهمية لجهة سيطرة الحكومة الفلسطينية على مواردها، وبالتالي قرارها المالي، وهو هدف سعت إليه الحكومات الفلسطينية المتعاقبة منذ قيام السلطة، وهنا تكمن الأهمية الكبرى في هذا التحول، مع عدم التقليل من الأثر المالي قصير الأمد، وبهذا فان ما جرى بشأن الضرائب على المحروقات سابقة في غاية الأهمية يمكن البناء عليها في التعامل مع باقي مكونات المقاصة، بما يضمن عدم تحكم إسرائيل بها واستخدامها لابتزاز القيادة الفلسطينية.

كذلك، فان سيطرة الحكومة الفلسطينية على ضرائب المحروقات، من شأنه تسهيل مساعيها لاستيراد مشتقات النفط من الخارج، بما ينطوي عليه ذلك من قدرة على التسعير وفقا لمصلحة الاقتصاد الفلسطيني حصرا، وليس كما هو الحال الآن تبعا لمصالح الاقتصاد الإسرائيلي دون أي اعتبار للمصلحة الفلسطينية، سواء على صعيد الاقتصاد ككل، او على صعيد المواطنين الأفراد.

باختصار، فان تحرير الضرائب على المحروقات من آلية المقاصة مع إسرائيل، يمكن أن يشكل بداية لتغيير جوهري في بروتوكول باريس، بما يحفف من وطأته وإجحافه بالاقتصاد الفلسطيني، والخزينة العامة الفلسطينية، وهو يقع في جوهر التوجهات نحو “فك التبعية” للاقتصاد الإسرائيلي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى