ألقى العدوان على قطاع غزة بظلاله الوخيمة على الاقتصاد الفلسطيني ليس في قطاع غزة وحسب، بل كذلك في الضفة الغربية، وقد طال ذلك مختلف القطاعات.
وتضرر قطاع السياحة بشكل واضح وكبير خلال الفترة الماضية، حيث أغلقت العديد من المؤسسات والمتاجر السياحية أبوابها، بعد ان تكبدت خسائر اقتصادية كبيرة، طالت المستثمرين، وأيضا العاملين في القطاع الذين فقدوا وظائفهم وباتوا عاطلين عن العمل.
وفي ظل الوضع المالي الصعب الذي تقول الحكومة انها تعاني منه، فقد حُرم قطاع السياحة من الدعم المأمول من الحكومة، وإيفاء الحقوق ومنها حق الاسترجاعات الضريبية التي يطالب بها أصحاب المنشآت السياحية والتي من الممكن ان تسهم في تخفيف الخسائر والآثار السلبية، ناهيك عن حاجة القطاع لدعم مالي واستراتيجيات واضحة لإعادة النهوض به.
وقال المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار جريس قمصية في تعقيب على مطالبات أصحاب المنشآت السياحية إن الاسترجاعات الضريبة حق قانوني لكل صاحب منشأة فندقية، يجب أن يتم دفعها لهم، لكن الواقع المالي للحكومة في ظل العدوان والحصار الاقتصادي حال دون تمكن الحكومة من ذلك، لافتا “أن الوضع المالي الفلسطيني صعب جدًا، اذ تعاني الحكومة من نقص كبير في السيولة النقدية، مما أثر على قدرتها في الوفاء بالتزاماتها تجاه مختلف القطاعات، بما في ذلك السياحة”.
ولفت قمصية خلال حديثه لبرنامج “صوتكم مهم” الذي تنتجه شبكة وطن الإعلامية بأنه رغم التحديات الموجودة، ألا ان وزارة السياحة لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث شكلت منذ بداية العدوان خلية عمل بالتعاون مع كافة قطاعات السياحة لوضع خطط للترويج السياحي، والتحضير لعودة السياحة عندما تتحسن الظروف، مع التركيز على استقطاب أنماط جديدة من السياحة التي يمكن أن تزور فلسطين حتى في ظل الظروف الصعبة.
وتابع قمصية بأن قيام الوزارة بإعفاءات ضريبية للمنشآت السياحية منوط بتقديمها الفواتير واستمرارية العمل.
من جانبه قال رئيس بلدية بيت لحم أنطون سلمان، أن الهيئات المحلية هي التي تحملت العبء الأكبر في دعم القطاع السياحي، خصوصًا خلال جائحة كورونا، خاصة بعد ان قررت الحكومة حينها إعفاء الفنادق والمرافق السياحية من ضريبة الأملاك، مما أثر بشكل كبير على ميزانية البلديات، التي تعتمد بشكل أساسي على هذه الضريبة.
وأكد سلمان أن الحديث عن أي تسهيلات أو خصومات في هذه المرحلة يعتمد على معرفة حجم الضرر الذي وقع على المجتمع الفلسطيني بمختلف مكوناته، مضيفا “في ظل هذا الوضع المالي الصعب، تعاني بلديات مثل بيت لحم من نقص حاد في الإيرادات، ولذلك تبني ميزانيتها لعام 2024 على تقليص الخدمات بسبب تراجع الإيرادات وغياب الجهات المانحة التي يمكن أن تساعد في سد الفجوة المالية”
وأكد سلمان أن الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدتها المؤسسات والمنشآت السياحية والحرفية بسبب الحرب تتطلب إعداد خطة استراتيجية لإعادة تعويض المتضررين، سواء كانوا مواطنين أو منشآت، منوها “مع انتهاء العدوان وعودة الاستقرار، من المتوقع أن يعود السياح والحجاج إلى زيارة الأرض المقدسة، ومدينة بيت لحم بشكل خاص.”
ولفت سلمان إلى أن السلطات الفلسطينية لا تملك القدرة على إدخال أي سائح بتأشيرة فلسطينية، لأن الحدود ليست تحت سيطرتها، ولو كان القرار بيد الفلسطينيين لكانت السياحة عادت بسرعة أكبر.
وحول ضعف قدرة البلدية على المساعدة والدعم أشار سلمان “في ظل عدم تسديد الحكومة ديونها للبلديات، قد تتراجع خدماتها بشكل أكبر” لافتا ان الحكومة مدينة لبلدية بيت لحم بحوالي 20 مليون شيكل، وهذه الديون المتراكمة بحاجة إلى السداد حتى تتمكن البلديات من الوفاء بالتزاماتها.
من جهتها أكدت مديرة الحرفيين التجاريين سوزان الساحوري أن المنشآت العاملة في القطاع السياحي وتحديدا مشاغل خشب الزيتون الصغيرة تعاني بشكل كبير منذ بداية الحرب، علما أنها تعد من أهم الحرف اليدوية في فلسطين، لكنها تواجه خطر الانهيار بسبب توقف العمل وخسارة العمال وظائفهم.
وأكدت الساحوري أن المؤسسات المحلية ووزارة السياحة لم تقدم الدعم الكافي لهؤلاء الحرفيين، الذين يعانون بشكل مستمر دون أي تعويض، داعية إلى ضرورة توحيد جهود وزارة الاقتصاد والسياحة لمساعدة قطاع الحرف اليدوية على استعادة نشاطه كما كان، وتسليط الضوء على معاناتهم ليصل صوتهم إلى الجهات المسؤولة.
من جانبه قال طارق صنصور الذي يعمل والده وشركاء آخرين على بناء فندق في بيت لحم، ان بناء الفندق سُينجز خلال فترة زمنية قصيرة، لكنهم لا يعلمون متى ستعود السياحة في فلسطين، وهذا يثير مخاوفهم، لافتا ان مدينة بيت لحم “بلد المسيح التي تستقبل كل العالم، وعصبها الاقتصادي والأساسي هو السياحة، لذلك يجب على الحكومة إعفائهم ومساعدتهم في مسألة الضرائب”.
بدوره طالب سائد الشوملي دليل من السياحة المجتمعية من بيت ساحور لحم، وزارة السياحة بإعفائهم من دفع التراخيص المفروضة عليهم كإدلاء، في ظل حالة الركود السياحي، وهو امر يجب ان تلعب البلدية دورا به.
أما عضو نقابة عمال السياحة سعد نواورة فقد أشار الى تعطل نحو 5 آلاف عامل في القطاع في بيت لحم لوحدها منذ بداية الحرب، لافتا ان نسبة التشغيل في قطاعات السياحة وصلت الى صفر بالمئة، مشيرا الى ان هؤلاء العمال جرى استثنائهم من مشاريع وزارة العمل التي طرحتها لعمال الداخل الفلسطيني.
وأضاف بأن القطاع السياحي في مدينة بيت لحم يعاني من كارثة اقتصادية تتعلق بالعائلات والعمال، والذين لم ينظر لهم أحد أو يقدم لهم المساعدة، مطالبا بإيصال صوتهم للجهات المعنية لتسليط الضوء عليهم.
وتابع “كان يجب علينا التعلم من فترة جائحة كورونا. لقد طرحنا أكثر من مشروع من ضمنها قانون الضمان الاجتماعي، والذي لو كان موجودا كباقي الدول لما احتاجوا العمال لطلب المساعدات من أي مؤسسة، لذلك ما زلنا نطالب بوجود الضمان الاجتماعي لحماية العمال من أي كارثة مستقبلية
وقال جورج جحى من نقابة عمال السياحة وعضو مجلس بلدية بيت لحم إن الاعتماد الأساسي للمدينة اقتصاديا على قطاع السياحة، متسائلا “رغم ذلك لماذا لا يوجد خطة للنهوض بالسياحة وتشجيع المستثمرين الذين أصبحوا يفكرون بسحب استثماراتهم من بيت لحم”.