شرفة

ضرورات فلسطينية وعربية بعد ” طوفان الاقصى ” ؟

كتب احمد صيام : بعيدا عن الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها الاحتلال يوميا في عدوانه على قطاع غزة المستمر منذ اكثر من ثلاثة اسابيع ، وبعيدا عن الكم الكبير من الضحايا الابرياء الذين سقطوا في قطاع غزة ما بين شهيد وجريح جراء القصف البربري الهمجي الاسرائيلي الذي لم يميز بين مدني اعزل سواءا كان مسنا ام طفلا ان امراة ، وبعيدا عن الانهيار الذي كشفت عنه عملية طوفان الاقصى في منظومة القيم والقوانين الدولية والانسانية ، وبعيدا عن ازدواجية المعايير التي استخدمتها الدول الغربية الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية والاسلامية ، والقضايا الدولية الاخرى ، والتي اسقطت القناع على النزعة الاستعمارية لدى هذه الدول !!

وبعيدا عن الطوفان القادم الذي سيجتاح ليس دولة الكيان وحسب ، انما دول عديدة في الجوار والمنطقة برمتها ، ولسنا في الضفة الغربية ببعيدين عن هذا الاجتياح ، يتبلور مع الوقت سؤال كبير حتى اللحظة لم يجري التطرق لاجابته لدى اولي الامر لدينا او حتى من الاشقاء وذوي القربى ، دون معرفة ان كان ذلك عمدا ام خجلا ام انتظارا للقادم !! ماذا بعد ان تضع الحرب اوزارها وتنتهي عملية طوفان الاقصى ؟ وكيف ستكون شكل الادارة لقطاع غزة – بطبيعة الحال ان نجح ما يلحون به وهو القضاء على حكم حركة حماس وانهائها – وهو ليس بامر صعب وحسب ، انما يعتبر من المستحيلات ، خاصة مع الكم الكبير من الضحايا الابرياء الين قضوا ما بين شهيد وجريح ، والكم الهائل من الدمار البنياني ، سواءا كان في البنية التحتية ام في المساكن ؟

السياسيون ، سواءا كانوا من الصف الاول ام الثاني ، فينا ومن ذوي القربى ومن الاصدقاء ، اقتصر دورهم حتى اللحظة بدعوات لوقف اطلاق النار وادخال المساعدات الانسانية والطبية والوقود وما الى ذلك .. والمراقبون والمحللون السياسيون ، ومنهم استراتيجيون سياسيون وعسكريون ، غاصوا كثيرا في الاعماق ولكن دون الولوج الى مبادرة تنهي المأساة وتوقف الابادة الجماعية التي يتعرض لها اهلنا في قطاع غزة ، وتنهي حالة الجمود السياسي التي تحيط بكل اركان القضية الفلسطينية وتخفف من حدة المعاناة التي يكابدها ابناء الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة الغربية ، باستثناء الاستجداء لادخال المساعدات الانسانية .

قبل اي شيء ، لا بد من التأكيد على عدة معطيات وحقائق تجسدت خلال ما يجري في الميدان :
اولا : بكل تاكيد ان ما قبل السابع من اكتوبر ليس كما بعده نهائيا ، المشهد سيختلف في دولة الكيان ، وكذا بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي تتآكل شعبيتها مع استمرار العدوان وربما سيطال الامر دول اقليمية وفي الجوار .

ثانيا : الواضح من مجريات ما يجري في الميدان ان الهدف من العدوان والاصرار على التمكن من المقاومة ، وهو كما اسلفت من المستحيلات ، ليس كما هو معلن ، انما ما يجري عبارة عن حرب عالمية محدودة ضد شعب يكابد ويلات الاحتلال منذ 75 عاما ، ولا يراد له الحرية ، انما مزيد من الدعم لدولة الكيان لمواصلة السيطرة على المنطقة برمتها وسلب خيراتها وخاصة ما يشاع عن غزارة الغاز الموجود على سواحل قطاع غزة وتمرير مشروع ما اطلق عليه “قناة بن غوريون” الرابطة بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط ، وبالتالي السيطرة على المنطقة برمتها ، وهو ما شار اليه رئيس حكومة دولة الكيان بنيامين نتنياهو في خطابه الاخير امام الجمعية العامة للامم المتحدة والخارطة التي رفعها امام الحاضرين .

ثالثا : بصرف النظر، ان كانت حركة حماس قد اخطأت ، او اصابت في عملية ” طوفان الاقصى ” الا انه من دون شك ان حركة حماس ادركت ان هناك عملية اسرائيلية واسعة ستقوم بها دولة الكيان ضدها بعد انتهاء الاعياد اليهودية ، فاستبقت الامر وباغتت العدو بعملية طوفان الاقصى ، بكل الاحول فان هذه العملية الاسطورية حركت المياه الراكدة ، وكشفت زيف الاساطير الاسرئيلية عن الجيش الذي لا يقهر وعرته امام شعبه وامام العالم اجمع ، ما استدعى دولة الكيان الى طلب النجدة من حلفاءها وخاصة الولايات المتحدة والغرب الذين حركوا الاساطيل والبوارج لانقاذها من السقوط بالهاوية ، كذلك فقد اسقطت هذه العملية القناع وكشفت الصديق من العدو ، خاصة اولئك المتهالكين على التطبيع ، واستحالة تحقيقه مع الشعوب التي تقطر قلوبها نحو فلسطين ، حتى لو بادر الحكام المهزومين اليه ، كما والحقت ” طوفان الاقصى ” ولاول مرة في تاريخ الصراع خسائر مادية وبشرية فادحة في صفوف الجانب الاسرائيلي لم يسبق لها مثيل .

رابعا : مع بداية عملية طوفان الاقصى ، حظيت دولة الكيان بدعم غربي مطلق غير مسبوق ، الا ان مجريات الميدان واستمرار العدوان وبشاعة المشاهد المأساوية التي يخلفها القصف البربري الاسرائيلي ، قلب السحر على الساحر ، شعوب الدول الغربية المؤيدة للاحتلال ، يبدو انها استفاقت من غفلتها ونزلت الى الشوارع بمئات الالاف تعبر عن جم غضبها وتدعو الى الحرية لفلسطين ، ولعل ما شهدته لندن حيث اكثر من 250 الف متظاهر يحتجون على سياسة بلادهم تجاه العدوان ويرفضون التأييد المطلق لدولة الكيان ، ومن بعدها في باريس رغم الحظر الذي فرضته السلطات الفرنسية ، والقمع الذي تعرض له المتظاهرون ، وحتى في الولايات المتحدة ، الامر ذاته ، ومن قبل في العواصم العربية من المحيط الى الخليج ، كان في ذلك رسالة واضحة الى دولة الكيان ، من كل بد ستتلوها خطوات اخرى ستضيق الخناق على دولة الكيان وتدفعها الى انهاء عدوانها البربري .

خامسا : اركان حكومة الاحتلال يدركون من دون شك ان هزيمتهم باتت حتمية ، ومصيرهم المحاسبة والعقاب على جرائمهم على غرار معاقبة مجرمي الحرب الصرب ، لذا ربما باتوا يبحثون عن نصر وهمي ولو شكلي ومن ثم ينزلون عن الشجرة ، ولكن ذلك سيكون بعد فوات الاوان .

في ضوء ما سبق ، ياتي السؤال الذي لا اجابة واضحة عليه حتى الان ، ما شكل الحل بعد طوفان الاقصى خاصة كيف سيكون شكل الادارة لقطاع غزة ؟ القيادة الفلسطينية رؤيتها ضبابية حتى اللحظة ولم تبد اي استعداد لاستلام قطاع غزة !! من جانبه رئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور محمد اشتية اكد ان مسؤولية ادارة قطاع غزة تعود للسلطة الفلسطينية منذ ثلاثين عاما ، وحركة حماس جزء من المشهد السياسي الفلسطيني .

في ارجاء البيت الابيض الامريكي دارت نقاشات ويتحدثون عن خيارات مختلفة ، منها قوات متعددة الجنسيات او قوات حفظ سلام ، ومن الامريكيين من قال ان الامور مبكرة وقد تتغير العديد من الامور ، وهذا كله بطبيعة الحال لو افترضنا ان العدوان لا قدر الله قد وصل الى القضاء على المقاومة بشكل نهائي .

الوحيد الذي غرد خارج السرب كان الدكتور سلام فياض ، رئيس الحكومة الفلسطينية الاسبق الذي أطلق مبادرة شخصية لما بعد طوفان الاقصى ، وكما يبدو انه تلقف بعض الاشارات لاطلاقها بحكم علاقاته القوية التي تربطه والحزب الديموقراطي الامريكي الحاكم ، الداعية الى عملية اصلاح لمنظمة التحرير الفلسطينية بما يكفل توسيع اطرها ومؤسساتها لتشمل في عضويتها حركتي حماس والجهاد الاسلامي والانطلاق نحو تبني برنامج سياسي وطني يعكس الطيف الكامل من وجهات النظر الفلسطينية حول ما يشكل تسوية مقبولة تحافظ على مسار يؤدي الى حل الدولتين عن طريق التفاوض ، ومن ثم ووفق القانون الاساسي تتولى السلطة الوطنية ومن خلال حكومة توافق عليها منظمة التحرير الفلسطينية الموسعة ، السيطرة الكاملة على ادراة شؤون الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال فترة انتقالية ، ربما تقود الى تحقيق ما يحلم به الشعب الفلسطيني ، وحيثيات اخرى تتعلق باطلاق سراح الاسرى من جانب حركة حماس وغيرها من التفاصيل .

مبادرة فياض هذه وبصرف النظر ان جرى الاخذ بها ام الاخذ ببعض من بنودها ام اهمالها ، الا انها تطرح تساؤلا كبيرا : هل كان فياض ينطق عن الهوى ، ام انه رجل المرحلة القادمة ؟

بكل الاحوال التكهن بالامور بات من المعجزات خاصة وان الامور تتدحرج وقد تتغير من خطوة الى اخرى، ولكن القيادة الفلسطينية مطالبة بكسر الصمت وتقديم رؤية واضحة لا لبس فيها ، خاصة وان القمة العربية المزمع عقدها في الحادي عشر من تشرين الثاني القادم – والتي لا يعول عليها كثيرا – ولكن تطورات الميدان قد تفرض عليها وقفة عربية رسمية ، خاصة وان هناك احساس عربي بدأ يلوح بالافق ان المنطقة العربية باتت على مفترق طرق خطير جدا ، ما دفع بدول عربية الى اتخاذ خطوات كخطوة المملكة الاردنية الهاشمية باستدعاء سفيرها من تل ابيب واعتبار السفير الاسرائيلي في عمان شخص غير مرغوب فيه ، وخطوة سلطنة عمان بمنع الطيران الاسرائيلي المدني من التحليق في الاجواء العمانية ، واستدعاء مملكة البحرين سفيرها من تل ابيب وقطع العلاقات الاقتصادية المشتركة ، وربما تتبعها خطوات عربية اخرى تبشر ببداية ولادة موقف عربي مختلف عما سبق ، وربما تحسبا لما بعد عملية طوفان الاقصى ،.

لذا الرئيس محمود عباس وبصفته رئيسا شرعيا لدولة فلسطين التي تعترف بها 134 دولة ، عليه اقتناص الفرصة ووضع الامة العربية امام مسؤولياتها ، والاصرار على اعادة احياء مبادرة السلام العربية الداعية الى اقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1964 وعاصمتها القدس الشرقية ، وحل قضية اللاجئين وفق القرار الدولي 194 ، مقابل التطبيع والسلام ودولة الكيان . ومن ثم وامام القمة العربية فان الرئيس عباس مطالب بالاعلان عن انتهاء مكونات السلطة الفلسطينية واستبدالها باعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال واعتبار المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية باطارها الموسع الذي يشمل كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد الاسلامي برلمان مؤقت الى حين زوال الاحتلال ، ما يعني ذلك انتهاء العمل باتفاقيات اوسلو، وسيمنع تمريرالحلول المجتزئة خاصة فيما يتعلق بادراة قطاع غزة ، وعودة القطاع تحت الادارة الفلسطينية الموسعة ، ما سيكفل اعادة توحيد شطري الوطن ، والوقوف موقف موحد بكل قوة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى