موجة الحر.. ارتفاع التكاليف الزراعية وانخفاض الانتاجية
منذ الخامس من شهر تموز الجاري تتأثر فلسطين بموجة حارة ألقت بظلالها السلبية على القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وأدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، خاصة في مناطق الأغوار ومحيطها والتي تسجل أعلى ارتفاع على درجات الحرارة.
أبو ضرغام وهو من قدامى المزارعين في منطقة عاطوف الواقعة على شفا الغور، يؤكد في حديث لـ”وفا”، أن موجة الحر الحالية تعتبر الأصعب على المزارعين منذ سنوات.
ويضيف: “على الرغم من أن حدوث موجات حر في فصل الصيف مألوف لدى المزارعين، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن خطورة الموجة الحالية تكمن في طول مدتها، حيث بدأت منذ أكثر من عشرة أيام، ومؤشرات الأرصاد الجوية تؤكد بأن درجات الحرارة مستمرة على هذا النحو حتى آخر الشهر الجاري، ما يكبّد المزارعين تكاليف ونفقات مضاعفة للحفاظ على مزروعاتهم، ومنها الحاجة لكميات أكبر من المياه.
ويوضح أبو ضرغام أن الدونم المزروع بالخضراوات المكشوفة يحتاج في فصل الصيف العادي لكمية مياه تتراوح بين ٨- ١٠ أمتار مكعبة من المياه يوميا، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة لهذا الحد تزداد الحاجة لتصل إلى ١٥ مترا مكعبا، بينما يحتاج الدونم في الزراعات المحمية داخل البيوت البلاستيكية إلى ٥ أمتار مكعبة من المياه يوميا، في حين يحتاج في كل يوم خلال موجة الحر إلى ٧ أمتار مكعبة.
كما أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من حدوث الأمراض الفطرية عند النباتات خاصة داخل البيوت البلاستيكية، بسبب زيادة الري وارتفاع الرطوبة تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة، أما في الزراعات المكشوفة يزيد تأثير الحشرات على المحصول وخاصة العناكب التي تنشط بسبب ظروف الحرارة، وهذا يتطلب استخدام الأدوية الزراعية والمبيدات بشكل أكبر للتعامل مع هذه المشاكل.
ولا تقتصر خسائر المزارعين بسبب موجة الحر على هذا الحد، فيؤكد مزارعون أن خسائر كبيرة تلحق بهم أيضا بسبب تراجع كميات الإنتاج، لأن الارتفاع الكبير في درجات الحرارة يحول دون إثمار الخضار بسبب سقوط نسبة كبيرة من الزهر عن النبتة وتلفه قبل انعقاد الثمار.
نتيجة لكل هذه العوامل تزداد التكاليف على كاهل المزارع، وفي المقابل تقل إنتاجية المحصول، وبالتالي ترتفع أسعار الخضار في الأسواق على المستهلك، وفي ذات الوقت لا يعود هذا الارتفاع بالربح على المزارع بسبب كمية الفاقد من المحصول والتكاليف المرتفعة التي أنفقها المزارعون على المياه والأدوية الزراعية.
ولا تقل معاناة مربي الثروة الحيوانية عما يعانيه المزارعون جراء استمرار موجة الحر، وفي هذا السياق يحدثنا لؤي أبو محسن، وهو من مربي الثروة الحيوانية في منطقة الفارسية في الأغوار الشمالية، عن معاناتهم في فصل الصيف بشكل عام، وخلال موجات الحر بشكل خاص.
يحتاج أبو محسن خلال فصل الصيف إلى ٥ أمتار مكعبة من المياه يوميا لسقي ٥٠٠ رأس من الماشية يربيها ويعتاش منها مع أسرته المكونة من ثمانية أفراد، لكن هذه الكمية من المياه لا تكفي في مثل هذه الأيام ذات الحرارة المرتفعة بشكل ملحوظ، حيث تحتاج مواشيه ما لا يقل عن ٨ أمتار مكعبة من المياه يوميا.
إلى جانب ذلك يعتمد مربو الثروة الحيوانية في هذه الظروف على الأعلاف المشتراة لتغذية مواشيهم بشكل كامل، بسبب عدم إخراج المواشي إلى المراعي نهائيا نتيجة الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.
كما أن ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ واستمرار ذلك لأيام طويلة يقود لتخوفات كبيرة من احتمالية نفوق أعداد من المواشي خاصة حديثة الولادة، وهذا أكثر ما يؤرق مالكي الثروة الحيوانية خلال موجات الحر.
موجات الحر الحالية تفاقم من معاناة مزارعي وسكان الأغوار الشمالية بشكل كبير، وخاصة أن هذه المناطق تعاني أصلا من مشاكل عديدة جراء تضييقات الاحتلال على البنية التحتية الزراعية واستيلائه على مصادر المياه والمراعي.
بدوره، أشار مدير دائرة زراعة الأغوار الشمالية هاشم صوافطة إلى أن موجات الحر، وخاصة طويلة الأمد الطويلة كالتي نشهدها حاليا، تؤثر بشكل كبير على الزراعة بشقيها النباتي والحيواني وتؤدي إلى خسائر وتراجع فيها.
وأوضح أن الزراعة في مناطق الأغوار وشفا الأغوار تكون الأكثر تأثرا وتتعرض لخسائر أكبر جراء موجات الحر، كونها المناطق الأعلى حرارة في فلسطين، مؤكدا أن المزارعين ومالكي الثروة الحيوانية يعانون صعوبات كبيرة في هذه الظروف، كما أنهم يتكبدون مصاريف مضاعفة في الماء والأعلاف وغيرها من النفقات.
ومن أكثر التبعات السلبية الناتجة عن موجات الحر، وفقا لصوافطة، الأمراض الفطرية وانتشار الحشرات في النباتات وما يتبع ذلك من تكاليف إضافية على المزارعين لشراء الأدوية والمبيدات، بالإضافة لتكبد تكاليف أكبر بسبب الحاجة لكميات مضاعفة من المياه بالنسبة للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية على حد سواء، بالإضافة لتكاليف الأعلاف نتيجة عدم إخراج المواشي للمراعي.
ولا تقتصر تأثيرات الموجة الحارة على محاصيل الخضراوات فقط، حيث تتأثر الأشجار بشكل ملحوظ جراء ذلك، ففي قرى الأغوار تنتشر زراعات مثل الحمضيات والجوافة، وموجات الحر تؤثر بشكل ملحوظ على جودة الثمار في هذه الأشجار وتؤدي إلى تراجعها، كذلك تؤدي إلى فاقد فيها قد ينعكس سلبا على كميات الإنتاج عند حلول مواسم القطاف.
وفيما يتعلق بتفاصيل الموجة الحارة الحالية، يوضح مدير عام دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية يوسف أبو أسعد أن إطلاق مسمى موجة حر يتطلب شرطين، وهما أن ترتفع الحرارة ٣ درجات مئوية عن معدلها العام، واستمرارها على هذا النحو لفترة لا تقل عن ٣ أيام.
وأضاف: تصنف موجة الحر عادة حسب طول مدتها وحسب شدتها، والموجة الحالية تعتبر من حيث الشدة خفيفة إلى متوسطة، حيث ارتفعت درجات الحرارة عن معدلها بين ٥- ٧ درجات مئوية، لكن صعوبة هذه الموجة تكمن في طول مدتها، حيث بدأت منذ الخامس من الشهر الجاري ومن المتوقع أن تستمر حتى آخر الشهر، أي ما مدته ٢٥ يوما، وهذه المدة تعتبر الأطول منذ سنوات.
وحول درجات الحرارة العظمى التي تم تسجيلها خلال الموجة حتى الآن، أكد أبو أسعد أن مدينة القدس على سبيل المثال سجلت ٣٦ درجة مئوية، ولا يتوقع أن تزيد عن ذلك خلال الأيام المقبلة، فيما وصلت في مناطق الأغوار إلى ٤٤ درجة مئوية، ولا يتوقع أن تزيد عن ٤٥- ٤٦ درجة خلال الأيام القادمة.
اسراء غوراني- وفا