شرفة

عامٌ على ظهور “العرين”.. قراءة في تطور الظاهرة وسماتها

كتب علي ابراهيم – تحل الذكرى الأولى للظهور الأول لمجموعة “عرين الأسود” في وقت دقيقٍ من التصعيد الذي تقوده أذرع الاحتلال في القدس خاصة، وفي المناطق الفلسطينية بشكلٍ عام، وتعيد هذه المناسبة إلى الأذهان هذه الظاهرة الجديدة من مجموعات المقاومة، التي تبلورت في الضفة الغربية المحتلة، وكشفت عن تطور كبير في شكل هذه المجموعات وخطابها، وقدرتها على إحداث اختراق إن في البنية التقليديّة للفصائل، أو في شكل المجموعات الذي يلتصق بقلب المدن الفلسطينيّة، ويحولها إلى “عرين” ينطلق منها لاستهداف قوات الاحتلال. ونتناول في هذا المقال إطلالةً على أبرز هذه المجموعات وأبرز سماتها.

الشرارة الأولى في جنين

دفعت حالة المقاومة المتصاعدة عاماً بعد آخر، واستمرار التغول الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، إلى تبلور مجموعات شبابية مقاومة، فقد ظهرت “كتيبة جنين” في شهر أيلول/ سبتمبر 2021، على إثر عملية “نفق الحرية”، وهروب 6 أسرى فلسطينيين من سجن “جلبوع” في 6 أيلول/ سبتمبر 2021، إضافةً إلى معركة سيف القدس التي سبقت الإعلان عنها بـ3 أشهر، في سياق إعلان “سرايا القدس” عن استعدادها لحماية الأسرى الستة.

ومع الظهور العلني للكتيبة أشار مراقبون إلى أن عدداً من أعضاء الكتيبة يرفعون شعارات لـ”شهداء الأقصى” وكتائب “القسام”. وحاولت أذرع الاحتلال ضرب الكتيبة أكثر من مرة، لكون العديد من منفذي العمليات الفردية انطلقوا من مخيم جنين، وفي واحدة من هذه الهجمات اغتيلت الصحافية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.

من “كتيبة نابلس” إلى “عرين الأسود”

وعلى غرار “كتيبة جنين” ظهرت مجموعة مسلحة أخرى في مدينة نابلس، أُطلق عليها ابتداءً “كتيبة نابلس”، إلا أنها عرفت لاحقاً بـ”عرين الأسود”، ظهرت منذ بداية عام 2022، واتخذت من البلدة القديمة بمدينة نابلس معقلاً لها. وبحسب معطيات فلسطينية تتكون المجموعة من مقاومين ينتمون إلى عددٍ من الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية، أبرزها كتائب شهداء الأقصى (فتح)، وسرايا القدس (الجهاد)، وكتائب القسام (حماس)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وشهدت المرحلة التي سبقت الإعلان عنها عدداً من عمليات إطلاق النار التي استهدفت عدداً من النقاط العسكرية قرب مدينة نابلس.

وعلى أثر تصاعد عمليات إطلاق النار هذه، بدأت أذرع الاحتلال الأمنية تحاول استهداف أعضائها، ولم تكن حينها قد ظهرت رسمياً، ففي 8 شباط/ فبراير 2022 نفذت قوات الاحتلال عملية خاصة بمدينة نابلس، اغتالت فيها 3 شبان من كتائب الأقصى، هم أدهم الشيشاني ومحمد الدخيل وأشرف مبسلط. وبدأ الإعلام العبري الحديث عن “كتيبة نابلس”، وكان ظهورها الأول في 8 نيسان/ أبريل 2022 قبل الإعلان الرسمي عنها، ومن ثم شهدت الأشهر التالية اغتيالات لعدد من أعضاء المجموعة وقادتها، وشملت اغتيال محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح في 24 تموز/ يوليو 2022. وفي 9 آب/ أغسطس 2022 استشهد إبراهيم النابلسي برفقة مقاومين آخرين، خلال تصديهم لقوات الاحتلال.

دفعت هذه التطورات إلى الإعلان عن المجموعة، التي انطلقت رسمياً في 2 أيلول/ سبتمبر 2022 في أربعين محمد العزيزي ورفاقه، وشهد الإعلان عرضاً عسكرياً شارك فيه عشرات من مسلحي العرين، وتضمن بيان التأسيس “بنادقنا لن تُصدِر رصاصة في الهواء عبثاً”، وأن “وجهتها الوحيدة هي الاحتلال”. ومنذ الإعلان عنها تكررت محاولات الاحتلال القضاء على المجموعة، وتعرضت البلدة القديمة في نابلس لعددٍ من الاعتداءات.

أبرز عمليات العرين في عام 2022

عملت مجموعات المقاومة هذه على صدّ اقتحامات الاحتلال للمدن الفلسطينيّة التي يتحصنون فيها، إلى جانب اتخاذها أسلوب العمليات الخاطفة والسريعة، التي تستهدف نقاط الاحتلال العسكرية القريبة من نابلس أو جنين، ومن ثم العودة إلى داخل المدن الفلسطينيّة. وبحسب مصادر فلسطينية، نفذت عرين الأسود عدداً من العمليات النوعية، من أبرزها:

– تفجير عبوة ناسفة قرب مستوطنة “براخا” في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

– إطلاق النار باتجاه حاجز صرة العسكري غرب نابلس، وباتجاه مستوطنة “براخا”، في 22 أيلول/ سبتمبر 2022.

– إطلاق نار تجاه برج مراقبة في مستوطنة “براخا”، في23 أيلول/ سبتمبر 2022.

– استهداف حافلة قرب مستوطنة “ألون مورية” في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

– استهداف قوات راجلة قرب مستوطنة “شافي شمرون”، أدت إلى إصابة جندي في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

– قتل جندي إسرائيلي في إطلاق نار على حاجز قرب مستوطنة “شافي شمرون” في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

“دماء الشعوب من دماء مدنها”.. أبرز سمات مجموعات المقاومة الجديدة

يقول المؤرخ الفرنسي دومنيك شوفاليه “دماء الشعوب، دماء مدنها”، وهي مقولة تنطبق على مجموعات المقاومة الوليدة في الضفة الغربية المحتلة، فقد انسجمت هذه المجموعات مع المدن التي تحصنت فيها، وأصبحت سمة أساسية لها، وفي سياق تسليط الضوء على هذه المجموعات، وعلى دورها في تطور المقاومة في عام العامين الماضيين، وعلى بنيتها وعناصرها، يمكننا تسجيل جملة من الملاحظات:

في مقدمتها التكوين الشبابي لهذه المجموعات، من العناصر إلى القيادات، وهي فئة لم تشارك الانتفاضة الماضية، إلا أنها شهدت توغل الاحتلال في المناطق الفلسطينية المحتلة، واستمرار التنسيق الأمني، وانسداد الأفق السياسي الذي تقوده السلطة الفلسطينية، وهذا ما دفع هذه الفئة نحو المزيد من الانخراط في المقاومة، إن عبر تنفيذ العمليات الفردية بشكلٍ مباشر، أو من خلال تأسيس هذه المجموعات، والانخراط ببنيتها.

تُشير الأعمار الشابة إلى حالة جديدة من التفاعل مع الفصائل، إذ تتكون هذه المجموعات من بنية عابرة للفصائل، وتتميز هذه المجموعات بأنها مكونة من عناصر تنمي تنظيمياً أو فكرياً من مختلف الفصائل الفلسطينية، إلى جانب شبان غير منتمين لأي فصائل. ويُشير باحثون إلى أن الانتماء الفصائلي لبعض أعضاء هذه المجموعات لا يعدو أن يكون اسمياً، فلا يرتبط هؤلاء بالفصائل بشكلٍ بنيويّ تقليديّ، ولا ينتظرون قراراً للدفاع عن مناطقهم يصدر من الفصائل، وهذا ما يجعل الأخيرة مرجعية فكرية تقليدية لهؤلاء.

وفي سياق البنية، يُمكن ملاحظة نسيج هذه المجموعات التي تعود إلى المدن التي انطلقت منها، وهو نسيج يسمح بقرب التواصل والتفاعل في ما بين عناصر هذه المجموعات، وقدرتها على تفعيل حالة من التحصن داخل المدن الفلسطينية، وقد وصفها الباحث إبراهيم رباعية بأنها “عرينية”، ما انعكس على تجذرها في قلب المدن، في حالةٍ من تحدي الاحتلال، وبقائها على أهبة الاستعداد لمواجهة أي اقتحام.

وعلى الرغم من الحالة الشابة لها، إلا أنها تمزيت بالحفاظ على إرث المقاومين السابقين، وهو ما تجلى في التمحور حول شخصية فتحي خازم “أبو الرعد” والد الشهيدين رعد وعبد الرحمن، وظهوره في أكثر من مناسبة، ولا سيما في جنازات الشهداء محاطاً من عناصر المقاومة، وتسميته بـ”الأب” و”نبع البطولة” وغيرها، وهذا ما يعزز التواصل في ما بين العناصر الجديدة والقيادات التاريخية أو الرمزية في هذه المدن.

واستطاعت “العرين” الوصول إلى الشرائح الشبابية في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، عبر قادتها الشباب الذين ارتقوا، وانتشار وصاياهم وصبر أمهاتهم، ما كثف من التفاعل مع “العرين” في الفضاء الإلكتروني، وظهور الكثير من المقاطع التي تتفاعل مع هذه المجموعات ويتم تداولها بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى استخدام “عرين الأسود” لمنصة “التليجرام” لنشر بياناتها، وقد وصل عدد المتابعين لقناتها إلى نحو 250 ألف متابع. ويمكن تسليط الضوء على أن المواقع الإلكترونية التابعة للفصائل ومنصاتها المختلفة تحتفي ببيانات العرين وتعيد نشرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى