كيان الاحتلال الإسرائيلي والتحدي الإيراني
كتب جمعة التاية: كانت الخطة الاستراتيجية تقتصر على اغتيال العلماء، وإفشال الاتفاقيات، وفرض العقوبات الاقتصادية المستمرة، والتجسس وملاحقة إيران وحلفائها في كل دول العالم.
منذ أن انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، وأصبحت دولة مستقلة اقتصادياً وسياسياً، ووقفت إلى جانب القضية الفلسطينية داعمةً ومساندة مادياً ومعنوياً، ومنذ أن أصبح لها هذا التأثير الكبير في المحيط، باتت تشكّل تحدياً كبيراً للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.
يعدّ الكيان إيران الخطر الاستراتيجي على وجودها؛ لما تمثله من قوة عسكرية وجهوزية، فيما لو كان هناك حرب قادمة.
كما ينظر إليها بأنها الداعم الأول لفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، بل هي التي تقود المحور الذي كان له الدور الكبير في إخراج القوات الأميركية من سوريا والعراق وهروب “الجيش” الإسرائيلي من جنوب لبنان وغزة. أضف إلى ذلك، المشروع النووي الإيراني وما يمثل في العقلية الصهيونية، إذ حاولت “دولة” الاحتلال، ومن خلال جهاز الموساد، أن تغتال العشرات من العلماء والخبراء في قلب إيران وسوريا وغيرهما من البلدان والدول، وسرقة عشرات الآلاف من الوثائق والأوراق التي تتعلق بالملف النووي، كما يدّعي يوسي كوهن، رئيس الموساد السابق، إذ يقول إن الحصول على هذه الأوراق عرقل إيران وأخّرها عن الوصول إلى القنبلة النووية.
كما استمرت” إسرائيل” في مهاجمة المواقع الإيرانية في سوريا والعراق لإبعادها قدر الإمكان عن حدودها، إذ كانت تدرك أيضاً أن فيلق القدس وامتداداته العسكرية، وبالأخص دعمه المقاومة في غزة ولبنان، قد أحرجها في حروب كثيرة، لذلك قامت الاستخبارات الأميركية، بالتنسيق مع الموساد الإسرائيلي، باغتيال قاسم سليماني الذي كان له الدور الكبير في تطوير المقاومة على مستوى الخطط والأساليب والمواجهة.
وحاول الكيان أن يوجّه ضربة عسكرية لإيران، ظناً منه أنه يستطيع تدمير مشروعها النووي، لكن طهران استمرت في استكماله، مدركة أن الكيان لا يستطيع ضربها عسكرياً فهو يحتاج إلى 10 آلاف طلعة جوية، كما قال عبد الستار قاسم، في مقال له سنة 2014. ناهيك بانعكاسات هذه الضربة التي ربما تؤدي إلى حرب عالمية، بحسب ما صرّح به مئير دجان، رئيس الموساد السابق، حين قال إننا غير قادرين على توجيه ضربة عسكرية لإيران، ما أحدث نقاشات واختلافات في الدوائر الأمنية المغلقة، والتي اعتبرها البعض كشف أسرار للعالم عن قدرات الكيان العسكرية.
فكانت الخطة الاستراتيجية تقتصر على اغتيال العلماء، وإفشال الاتفاقيات، وفرض العقوبات الاقتصادية المستمرة، والتجسس وملاحقة إيران وحلفائها في كل دول العالم.
في المقابل، إيران لم تقف مكتوفة الأيدي، منتظرة قدرها أو مخططات الأعداء ضدها.
إنما ردت بصبر ونظرة بعيدة وعمل متواصل من جهة، وتوجيه ضربات للكيان من جهة أخرى،هذه الضربات التي تمثلت باغتيال عدد من رجالات الموساد في أربيل وكردستان وغيرهما..
وكشف خلايا تجسس إسرائيلية في تركيا، وضرب مواقع للموساد في دول آسيوية، وخطف سفن أميركية واحتجازها كجزء من فرص معادلة الردع إلى هجمات السايبر التي طالت مواقع عسكرية مهمة، وأسماء ضباط وجنرالات في الجيش الإسرائيلي.
كل ذلك اعترفت به “دولة” الكيان تصريحاً وتلميحاً، رغم أنها غالباً ما تخفي مثل هذه العمليات كجزء من الحرب النفسية.
ولو أنها لا تشكل خطراً استراتيجياً وتحدياً كبيراً لما كان التقرير الاستراتيجي الذي يصدر كل عام في هرتسيليا يؤكد ويحذر من هذا الخطر، ولما صرّح غانتس، قبل أيام ، معتبراً أن إيران هي التهديد الأكبر على “دولة” الكيان.
أخيراً، نستشهد بعبارة قالها محمد حسنين هيكل، إن إيران تملك مشروعاً، وتعرف متى تحارب وكيف تحارب، ولديها خطة استراتيجية، وتعمل بسياسة النفس الطويل، وهذا ما يعرفه قادة الكيان عن إيران، التي أصبحت قوة إقليمية متطورة يُحسب لها ألف حساب.