شرفة

التناغم بين المقاومة والحاضنة الجماهيرية

كتب جمعة التاية: ربما لا نستطيع التفريق بين المقاومة وحاضنتها الشعبية لكثرة التداخل بينهما والتشابه الكامل أحياناً في الأهداف والغايات، فالمقاومة في وعي الجماهير التي تقع تحت نير الاحتلال هي الدرع الواقية والسند الحامي والسيف المشرع الذي يستلّه صاحبه في وجه العدو.

تعتبر المقاومة الجماهير النبع الَّذي لا ينضب، والذي يرفدها بالشباب الثائر ويحميها ويدافع عنها حين تكثر الأبواق الإعلامية وتسلّط الضوء على بعض السلبيات من وجهة نظرها.

تشيّع الجماهير شهداءها في مواكب تليق بحجم تضحياتها، وتعتبر الأرضية التي تنبت فيها المقاومة وتزدهر ثقافتها وقيمها.

وهكذا، هناك حالة من التناغم والانسجام بينهما، وكلٌ يحارب في جبهته. وتستمر هذه الحالة لتسجل تلاحماً ميدانياً واقعياً، حين يشتد القتال أو يقوم الأعداء بإعلان حربٍ على مناطق تمثل نموذجاً للمقاومة.

ترى الجماهير كأنها في الجبهة ذاتها، بل في خضم المعركة. تُهدم على رؤوس الشعب البيوت، ويشردون، ويبعدون، ويستشهدون، كما أنهم مقاتلون، وأيديهم دائماً على الزناد. ورغم ذلك، لا تسمع منهم كلمة إدانة للمقاومة أو عدم رضا، بل ترى صبراً وجلداً وتحدياً وتمجيداً للمقاومة وقادتها. وأكثر من ذلك، كانت العجوز تقدّم أولادها وهي راضية مطمئنة.

هذا التناغم تجلّى وتمظهر في أحداث كبيرة وكثيرة، ليس أولها معركة جنين سنة 2002، إذ كانت الحاضنة الشعبية وصلت إلى حد التماهي مع المقاومة، وعزف كلاهما في إيقاع واحد مشكّلين نموذجاً لمعادلة جديدة، هي الصمود حتى آخر طلقة أو حتى نفاد الذخيرة، واستمرّت هذه الحالة من التناغم والانسجام في حرب 2006، إذ سطرت المقاومة اللبنانية صفحات مجيدة.

لأوّل مرة، تعترف “إسرائيل” بفشلها في عدم تحقيق أهدافها. وقد ذكرت كلمة فشل 36 مرة في تقرير لجنة فينوغراد، التي تشكلت من أجل أخذ العبر والدروس. وفي الوقت الذي كانت الجبهة الداخلية لدى العدو تنهار، وتضغط على قيادتها السياسية بوقف الحرب، كانت الحاضنة الجماهيرية تهتف للمقاومة ولسيدها.

وفي عام 2009، ورغم الحصار المضروب على غزة وحجم الدمار وآلاف الشهداء، فإنَّ الجماهير بقيت متمسكة بمقاومتها. وقد حاول العدو استخدام الكثير من الوسائل من أجل تحريض الجماهير على مقاومتها وبثّ الشائعات واستخدام الحالة الإنسانية الكارثية كعنوان للتحريض، وكأنَّ الاحتلال ليس السبب فيما حلَّ بالشعب الفلسطيني!

على مدى 51 يوماً، تجسد صمود أسطوري وإبداع في وسائل الدفاع والهجوم، تجلَّى في التمترس خلف خطوط العدو وأسر الجنود، والدفاع المستميت الذي أجبر الاحتلال على التراجع، ولم يسمح له بالتقدم كيلومتراً واحداً في قطاع غزة.

وقد استخدمت في هذه الحرب كل أسلحة الدمار المحرمة دولياً، ولم تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن قصف حتى خيال المقاومين! وألقت 11 ألف طن من المتفجرات على بقعة جغرافية تضمّ ثلة من المقاتلين الذين تلتف حولهم حاضنة شعبية خرجت من بين الركام والدمار، لتهتف باسمهم وتستعد للعطاء القادم.

ما زالت انعكاسات “سيف القدس” تلقي بظلالها الإيجابية على جماهير المقاومة التي ازدادت ثقتها بها، ووحّدت ساحاتها، وأصبحت دولة كاملة تحسب لها ألف حساب، إذا ما أرادت أن تقوم بمسيرة أعلام لا تستغرق سويعات.

لقد كتب المفكر اللبناني طلال العتريسي، في مقال له، أن المعادلات التي فرضتها “سيف القدس” لم تنهَر، رغم تسيير مسيرة الأعلام، وأشار إلى ذلك الباحث محمد فارس جرادات في مقاله “عسكرة الفتوى”، إذ قال إنَّ المقاومة هي التي تقدر الموقف، وهي صاحبة القرار في الرد على اعتداءات الاحتلال.

وأخيراً، أعتقد أنَّ حالة الانسجام والتناغم بين المقاومة والجماهير ما زالت في خطّها المتصاعد، رغم أصوات النقد الحريص والبنّاء الذي جاء بعد مسيرة الأعلام، لأنَّ هذه الجماهير كانت تنتظر من المقاومة ما يشفي صدور قومٍ مؤمنين بها حتى النخاع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى