باسم الحب: امرأة فلسطينية تمنح زوجها الحياة
كتبت مريم بشتاوي: من منا لا يبحث عن الحب الصادق؟ وإن لم يجده في الواقع يلجأ إليه بين سطور رواية أو يعيشه من خلال أحداث فيلم رومانسيّ أو يتخيله في حكايات مؤثرة عاشها الآخرون.. من منا لا يتمنى أن يكون الشريك هو البيت الدافئ والملجأ الأول والأخير؟ نعم، لا شيء يبقى سوى الحب ولا تزدهر أيامنا إلا بأضوائه ووروده وأمسياته.. حياتنا الشاقة لا يسهل ارتياد طرقاتها الوعرة والتوغل في عتمتها للعبور إلى الضفة الأخرى حيث الأمال إلا بدفعات قوية من الحب والإيمان..
والحب ليس محصوراً بحبيب .. قد يكون وفي أحيان كثيرة كل الحب وأطيافه مجموعة في صديق أو زوج سابق أو جار أو حتى عابر طريق فيه من الإنسانية ما يكفي لينقذنا من لحظات وجع قسوة..
حين علمت بخبر وفاة أمي شعرت بالهزيمة المطلقة ولم أكن قادرة على الوقوف حتى تسعفني رجلاي على السفر من لندن إلى بيروت.. هناك حيث تنتظرني في تابوت خشبي … كنت ضعيفة هشة ولولاه لما تمكنت من عبور مطار هيثرو .. هو وحده من مسح دموعي وسندني وأنا أمشي في مطار بيروت حتى وصلت قريتي.. هو من مسك يدي واحتضنني وأنا أودعها الوداع الأخير.. كان يقف خلفي حين قبلتها على جبينها وهو من مسك يدي حين غادرت الكنيسة .. هكذا تكون المحبة وهكذا تشتد.. ففي شظف الظروف وضيقها يقاس الحب..
ر سالة مؤثرة
من الحب جاءت حكاية أخرى اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعل معها بشدة رواد السوشيل ميديا..
إنها قصة حب من نوع آخر.. حب لم يهزمه المرض ولم يقوَ عليه الزمن بل زاداه قوة وصلابة وشدة.. إنها زوجة فلسطينية تدعى أسمهان التقت بحبيبها بسّام أيام الصبا وتزوجته بعد قصة عشق عاصفة.. لكن القدر لم يكلل زواجهما بالفرح.. فبعد سنوات قليلة من الزواج بدأ بسّام يشعر بألم في رجله اليسرى.. توجه إلى أطباء كثر في فلسطين ولكنهم أجمعوا أن السبب قد يعود إلى حالة نفسية أو مجرد تعب قد يزول مع الوقت.. لكن تلك الأوجاع استمرت وزادت حدتها فقرر الزوج السفر إلى لندن في رفقة زوجته علهما يجدا تفسيراً مقنعاً لتلك الحالة.. وهناك اكتشفا أنه يعاني من مرض «إي أل أس».. وذلك المرض لن يمهله كثيراً.. لقد قال الطبيب لأسمهان إن زوجك لن يعيش طويلاً وحياته لن تستمر أكثر من خمس سنوات.. وأضاف أن لا قدرة لأي طبيب على مساعدته وبأنها ستكون الطبيب الوحيد لزوجها بسام.. بكت وشهقت بصوت عالِ.. ولكنها قررت أن تكون السند وبأن تعطيه قوتها وعزيمتها وتمنحه إيمانها وصلواتها.. فلم يكن أحد يقوى على حمله سواها .. اهتمت به 25 سنة دون ملل وبتفان مطلق .. لم تسمح لضعف أن يسيطر عليها أو ليأس أن يتسلل إلى قلبها..
وقد ذكر بسّام في مقابلة مصورة نشرتها الجزيرة بلاس أنها استطاعت أن ترفعه من مكانه وتنقله إلى آخر حين لم يستطع رجلان على حمله…
وردت أسمهان والحب يفيض من كلماتها : «لما حسه بدو يوقع أحمله بين يديّ وارفعه.. فهو سندي حتى لو بنفسه بس..»
أسمهان لم تكن له حبيبة فحسب بل كانت أيضاً أماً وسنداً وظهراً حين أضعفه المرض. هل هناك قصة حب أكبر من حبها؟
وبذلك الحب تحققت المعجزة ..فبعد سنوات طويلة من الشلل الكامل جاء اليوم الذي استطاع فيه بسّام أن يحرك إصبعه ثم يده إلى أن استعاد عافيته كاملة.. لا يعرف الأطباء تفسيراً لشفائه .. ولا قدرة للعلم على توضيح المعجزة التي كانت وليدة التضحية والوفاء .. إنها أسطورة صنعها الحب..
حين تعرض الفضائيات قصصاً إنسانية مؤثرة ، مثل قصة اسمهان وبسام ، تنجح في أن تعطينا ثقة برسالتها خصوصاً بعد الانحدار الذي تشهده منابر إعلامية كثيرة تتسابق على التريند وهمها الأول والوحيد هو تحقيق أعلى نسبة مشاهدات ممكنة.
وقد يدفعنا الحب أحياناً نحو المستحيل
ومن حب زوجة لزوجها إلى حب آخر يعادل الدنيا وما فيها.. إنه حب الابنة لوالدها.. فما هي الحكاية؟
كيرا فتاة بريطانيّة علمت بأن والدها لن يعيش طويلاً بسبب إصابته بمرض سرطان الجلد وانتشار المرض في كل جسده.. هكذا قررت أن تحقق له حلمه الوحيد برؤية حفيد له قبل مماته.. فلجأت إلى التلقيح الاصطناعي..لم تكن تحلم حسب قولها بأن تكون أماً عزباء.. ولكن القدر لم يمنحها الوقت كي تتعرف على رجل ويصبح زوجها ثم ينجبا طفلاً..
كتبت «ببساطة» على موقع البحث غوغل: «كيف يمكنني أن انجب طفلاً بمفردي؟» وتضيف ليس الأمر الأكثر شيوعياً في العالم.. لقد كانت أمي وأختي قلقتين جداً بشأن قراري.. كل العيادات التي لجأت إليها طلبت 10 ألاف دولار إلى أن وجدت عيادة تقوم بالعملية نفسها ولكن بسعر أقل.
قد نختلف معها وذلك يعود إلى تضارب الثقافات وإلى خلفياتنا الدينيّة وما تحمله عاداتنا وتقاليدنا من مفاهيم لا تشبه الغرب .. ولكن لا يمكننا أن ننفي أن كل ما فعلته كان باسم المحبة.. تحكي قصتها بتأثر شديد وتتذكر لحظة اجتماع طفلها بوالدها للمرة الأولى وتشهق بالبكاء…
شعرت بأن حملاً نزل عن كتفيها ساعة رؤيتها لابتسامة والدها المتعب. تقول : كانت لحظات عاطفية جداً .. لحظات جميلة وكنت أتسابق مع الزمن لتحقيقها..
لكل منا طريقته بترجمة الحب .. ولكن تبقى تلك المشاعر هي نبض الحياة ووجه استمراريتها الوحيد…
مريم بشتاوي- كاتبة لبنانيّة