العامةثقافةغير مصنف

75 سنة على قرار التقسيم.. لماذا تواصل إسرائيل الحجر على الأرشيف الفلسطيني؟

بمناسبة الذكرى الـ75 لقرار التقسيم، نشر مدير معهد “عكيفوت” الإسرائيلي، عوفر أديرت، المعني بالإفراج عن الأرشيفات المتعلقة بأحداث النكبة، بعض “التهنئات” التي أفرج عنها “المعهد الصهيوني المركزي” بهذه المناسبة، لافتا إلى “التهنئة” التي أبرقها دافيد بن غوريون إلى موشيه شاريت، الذي تواجد حينها في نيويورك، وحوت ثلاث كلمات، “قوة، شجاعة، مع حبي”، وكما هو معروف فإن بن غوريون رأى بالتقسيم خطة العمل الوحيدة المتاحة أمام الحركة الصهيونية التي ستتمدد على كامل أرض فلسطين لاحقا، كما اعتقد وحدث فعلا.

بالمقابل، نشرت صحيفة “هآرتس” مقالا للباحث من جامعة ميرلاند الأميركية، شاي حيزكاني، تساءل فيه عن نوع الدولة التي تخيل الفلسطينيون إقامتها في عام 1948 لو قيض لهم ذلك، وأين كانوا سيقيمون شارع الأوتوستراد خاصتهم؟ وهل كانوا سيجففون مستنقع الحولة؟ وماذا كانوا سيفعلون مع الـ628 ألف يهودي الذين عاشوا في البلاد حينه؟

حيزكاني، مؤلف كتاب “عزيزتي فلسطين – التاريخ الاجتماعي لحرب 1948” الحائز على جائزة “كورنفلاط” لعام 2022، يورد هذه التساؤلات في سياق اتهامه لإسرائيل بمصادرة الأرشيف الفلسطيني الذي يحتوي عشرات آلاف الوثائق والمستندات، ومنع وصول الباحثين والمؤرخين، أمثاله، من الوصول إلى مواده، والتعرف على طبيعة الفكر السياسي الفلسطيني ومخططاته والتوجهات المنبثقة عنه في تلك المرحلة، وبالتالي توفير إجابات على التساؤلات التي طرحها.

وهو يشير إلى عشرات آلاف المستندات والوثائق والملفات الفلسطينية التي تشكل بمجموعها الموروث الثقافي والسياسي الفلسطيني، ما زالت مخبأة في الأرشيفات الإسرائيلية، بعد أن تم السطو عليها كغنائم من مؤسسات وأشخاص فلسطينيين في سنوات 1948 و1956 و1967 و1982 وخلال العقود التي تلتها أيضا، عشرات آلاف الصفحات موجودة في “أرشيف الدولة” و”أرشيف الجيش الإسرائيلي” و”أرشيف الموساد” و”أرشيف الشاباك”، الذي قام بإحراق جزءا من المواد في سنوات الستين من القرن الماضي، كما قام بإغلاق أرشيفه أمام الجمهور بتصديق من المحكمة العليا، لكن المواد الموجودة في الأرشيفات الأخرى القليل منها فقط، يسمح للباحثين والمؤرخين بالاطلاع عليها.

ومن الواضح أن حجب الأرشيف الفلسطيني يحول دون التعرف على المواقف الفلسطينية الحقيقية الموثقة ويفتح الباب واسعا للتلفيق والتزييف الذي مارسته وأفادت منه الحركة الصهيونية ودولتها الوليدة حتى اليوم. وفي هذا السياق، يقول الباحث ردا على فرية “إلقاء اليهود بالبحر” التي روجتها الحركة الصهيونية، على سبيل المثال، إنه خلال 15 سنة من البحث والتمحيص بمئات الوثائق التي ترجع لسنوات 1947- 1949، صادف حالة واحدة فقط يذكر فيها مؤسس حركة الإخوان المسلمين، المصري حسن البنا، “بحر” و”يهود” في جملة واحدة، عندما يدعو إلى طرد يهود مصر، في حين أن الاقتباسات المعروفة التي تنسب إلى أمين عام الجامعة العربية، عزام باشا، لا تستند إلى مصادر ذات مصداقية باللغة العربية، ومن غير الواضح إذا كانت قد قيلت مرة من المرات.

ويضيف حيزكاني أنه لم يجد في أي من المواد التربوية والإعلامية الموجهة إلى الفلسطينيين والمقاتلين العرب في الـ48، دعوة لقتل اليهود لأنهم يهود، وأن المستندات التي جمعها لغرض تأليف كتابه الأخير يستدل منها أن خطة “إلقاء اليهود في البحر” مصدرها في دعاية “اليشوف اليهودي” التي بدأت خلال الحرب نفسها، ربما من أجل تشجيع المقاتلين اليهود على إبقاء أقل عدد من السكان الفلسطينيين في المناطق المعدة لإقامة دولة إسرائيل، وينوه إلى أن المقارنة بين الدعاية العربية والدعاية اليهودية عام 1948 تظهر أن دعاية “الهاغاناه” والجيش الإسرائيلي كانت أكثر عنفا.

وبطبيعة الحال فإن استمرار الحجر على الأرشيف الفلسطيني وحجبه عن الباحثين والمؤرخين، يبقي الموقف الفلسطيني عرضة للعبث والانتقائية والتزييف الصهيوني الذي يسعى بشكل منهجي إلى تشويه النضال الفلسطيني وتسويد صفحته أمام العالم، وعلى سبيل المثال يستغرب الباحث من أن تكون الملفات الشخصية للمفتي، أمين الحسيني، التي انتزعت إسرائيل منها مراسلاته مع قيادات في ألمانيا النازية ونشرتها وروجتها على نطاق عالمي للمس به وبالقضية الفلسطينية، يستغرب أن تبقي الأمور التي تعنى بالشؤون “الصغيرة” في ملفات زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية المتعلقة بنشاطه خلال الحرب، محظورة ويمنع من المؤرخين والباحثين من الاطلاع عليها حتى عام 2040.

أما الأمر الأكثر إثارة الذي يكشفه الباحث، فهو أن الأرشيف الفلسطيني الذي تحتجزه إسرائيل ويضم عشرات آلاف المستندات، لا يقتصر فقط على مستندات ووثائق وملفات الطبقة السياسية، حيث يشير إلى أنه جرى مؤخرا الكشف، بناء على طلبه، عن عدد محدود من الملفات التي تضم آلاف الصفحات لمواطنين فلسطينيين عاديين، أحدها لمواطن يدعى وديع إسكندر عزام، يحتوي “حياة كاملة”، كواشين لأرضه في صفد وشهادة زواج وقصائد وأشعار كتبها وخبأها، عالم كامل لإنسان خُرب عليه عالمه عام 1948، كما يقول الباحث الذي تعقد لسانه الدهشة من قيام إسرائيل بمصادرة هذه المواد واحتجازها حتى اليوم.

وهذا ما يقوده إلى الاستنتاج بأن مصادرة واحتجاز والخوف الإسرائيلي من الإفراج عن هذه الغنائم الهائلة من المستندات الفلسطينية، التي تضم مستندات بالعربية كتبت بأيدي فلسطينيين، وتشمل مخططات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة أو مستندات لـ”بيت أيتام” في يافا، لا يتعلق بـ”أمن الدولة”، وأن هذه الذريعة يتم استعمالها للتغطية على تخوف مختلف كليا لا يتعلق بأسرار دولة، بل إن السر الأكبر، حسب رأيه، يتمثل بوجود هذه المستندات التي تشكل شاهدا تاريخيا على حضارة فلسطينية تم تدميرها، ومن شأن كشفها أن يمس بالرواية الإسرائيلية الصهيونية ويثير الشكوك حولها.

المصدر: عرب48

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى