عقد المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في اليوم الرابع من أعمال مؤتمره السنوي التاسع “فلسطين ما بعد رؤية ترامب … ما العمل؟”، جلسة استضاف فيها مجموعة من الباحثين/ات والناشطين/ات الشباب لتقديم أوراق رؤى شبابية للإجابة عن سؤال “ما العمل” للخروج من المأزق الحالي الذي تواجهه القضية الفلسطينية، وبلورة وتنفيذ إستراتيجية وطنية قادرة على إحباط رؤية ترامب ومخططات الضم، بمشاركة 100 مشارك/ة، معظمهم من الشباب، من مختلف التجمعات الفلسطينية، ومشاهدة الآلاف لها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وتحدث في هذه الجلسة التي أدارتها رتيبة النتشة، عضو المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، كل من: أيهم السهلي (لبنان)، وليث أبو صبيح (الضفة)، وعدين ظافر (الضفة)، وخليل البطش (غزة).
ويعقد المؤتمر برعاية كل من: شركة الاتصالات الخلوية الفلسطينية جوال (الراعي الرئيسي)؛ بنك القدس؛ مؤسسة منيب وأنجلا المصري؛ شركة المشروبات الوطنية؛ مؤسسة الناشر للدعاية والإعلان؛ د. محمد مسروجي؛ شبكة وطن الإعلامية (الراعي الإعلامي)، وتستمر جلساته حتى 31 آب الجاري.
وقال السهلي ربما في الوقت الراهن ليس هناك من سؤال أكثر إغراء من سؤال “ما العمل؟” الذي يتخذه مركز مسارات عنوانًا لمؤتمره التاسع، ولعل هذا العنوان المغري بكل ما يحمل من دلالات ومحاولات إجابة عميقة وسطحية وتبسيطية ومعقدة، يجب أن يكون موضع حوار مفتوح لدى كل فئات وشرائح الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، مشيرَا إلى أن طرح هذا السؤال يشير إلى جانب إيجابي، وهو عدم الاستكانة لليأس والتوقف عن بذل المحاولة تلو الأخرى وصولًا إلى جواب، حتى لو كان هذا الجواب يقدم حلولًا مؤقتة.
وتساءل عمن يتحمل المسؤولية عن الشعب الفلسطيني في لبنان، موضحًا أننا بلا مرجعية في لبنان واضحة ومطالبة بحقوقنا، ومشيرًا إلى بعض الناشطين في المخيمات يقومون بدور توعوي حول القضايا المطلبية للفلسطينيين في لبنان. ودعا القوى والفصائل الفلسطينية إلى إعادة النظر في دورها ومسؤولياتها الاجتماعية والسياسية، وتنحية كل خلافاتها الصغيرة، والنظر إلى طاقات شعبنا الكبيرة، لأنه إذا صلح حال الفصائل، استطعنا الولوج بثقة وقوة إلى مشروع وطني فلسطيني ينخرط فيه كل أفراد الشعب عبر إصلاح مؤسسات منظمة التحرير.
وأوضح أن اللاجئ الفلسطيني حين تصبح قناعته أنه سيستمر في الحياة كمعذب هو وأولاده وأحفاده يبحث عن خيارات أخرى، كأن يدافع عن مشاريع التهجير، وقد يصل إلى مهاجمة من يحاول التشكيك بعمليات التهجير أو محاولات الهجرة الجماعية، وليس خافيًا على أحد أن مظاهرات جماعية نظمت في المخيمات للمطالبة بالهجرة، ومثلها أمام سفارت كندا وأستراليا والسويد، وهذه المظاهرات شارك فيها أعداد من فلسطينيي سوريا ولبنان.
من جانبه، تناول أبو صبيح مشكلة تحول الشباب من رأس مال سياسي فاعل إلى قوة عددية خاملة ومادة مؤطّرة لمراكز القوى السياسية فقط، وعزا ذلك إلى ثلاثة أمور، وهي: إفلاس القوى السياسية الفلسطينية وفشلها في تحقيق خطاب متكامل يتوجه استنهاضيًا إلى فئة الشباب، وإفلاس المؤسسة السياسية الفلسطينية وعدم قدرتها على مواءمة الخطاب السياسي المعاصر، لذلك فإن خطابها لم يعد يموّن عملية التجديد في الثقافة السياسية وصياغة الوعي الوطني الجماهيري، وفقدانها القدرة على إيجاد آليات الاستثمار في القوى الناشئة، إضافة إلى فقدان فئة الشباب لمصادر المعلومات الموثوقة والرصينة التي تساهم في صياغة وعيهم، وصقله، والنهوض به من مرحلة المعرفة المجردة إلى السلوك المبينة على المعرفة الممنهجة.
وأشار إلى انعدام الثقة بين الجماهير الشابة والقوى السياسية، وهذه الحالة تقلل من فرص الاستجابة الجماهيرية للعملية التعبوية التنظيمية في حال وجود أي طارئ أو منعطف وطني كالمنعطفات والتحوّلات التي تمر بها القضية الفلسطينية في أيامنا هذه، موضحًا أن فشل الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية في صياغة رؤية وطنية جامعة لمواجهة التحديات أدى إلى تحوّل القوى الاجتماعية الشابة إلى مسارات غير حزبية وكيانات اجتماعية تضامنية.
وأضاف: إن مواجهة صفقة ترامب نتنياهو ومشروع الضم يتطلب إعادة النظر في البناء الاجتماعي الفلسطيني والنسق السياسي القائم، ومحاولة إصلاحهما وإخراجهما من مأزق الجمود والكساد السياسي، وهذا لا يتم إلا من خلال خطوات عدة تتمثل في تطوير خطاب القوى السياسية الذي يأخذ بعين الاعتبار إستراتيجية الخطاب السياسي المعاصر، ووضع قواعد منهجية لتدشين بنية اجتماعية وسياسية تحدد فيها أدوار الكيانات والظواهر التي تشكل هذه البنية، بالإضافة إلى إعادة بناء منظمة التحرير، والشروع في تنمية وتحديث المؤسسة السياسية الرسمية وفق مبادئ العقد الاجتماعي، والمحافظة على استقلالية مؤسسات المجتمع المدني، فضلًا عن أن تكون الخطابات السياسية الحزبية وخطاب المؤسسة السياسية الرسمية مبنية على قيمة المواطنة.
بدورها، قالت ظافر إننا لن نستطيع اختيار الهدف الإستراتيجي للمرحلة القادمة، أو حتى الحل المرحلي، لعدم وجود موقف وطني واحد أو توافق وطني، موضحة أن عناصر الإستراتيجية السياسية والنضالية لتخطي المرحلة الحالية تشمل إنهاء الانقسام، ووضع أهداف موحدة للعمل السياسي للمرحلة القادمة، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كونها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، إضافة إلى إعادة بناء وهيكلة الأحزاب السياسية الفلسطينية واستعادة دورها الوطني والنضالي الحقيقي، على صعيد التعبئة وتعزيز دور الشباب، وتطوير مناهج التعبئة الحزبية والسياسية، فضلًا عن تشريع كافة الحلول النضالية وعدم تجريم أي منها وعدم اقتصارها على نوع واحد فقط، وإعادة بناء برامج التعليم المدرسي والجامعي بما يتلاءم مع وضعنا كفلسطينيين لدينا مشروع تحرري.
وأوضحت أن الاحتلال يسعى دومًا لتحويل السلطة إلى أداة تنفيذية له، مشيرة إلى أن الحاجة إصبحت ملحة لإعادة النظر بشكل السلطة ووظائفها وهيكليتها وموازنتها، فنحن لسنا مضطرين إلى العودة تحت حكم “الإدارة المدنية” الإسرائيلية، ولسنا مضطرين إلى البحث عن بديل ما دامت السلطة موجودة، لكن الأكيد أنها بالشكل الحالي تخلق مزيدًا من التشتت، فلا بد من إصلاح ما هو قائم بنوايا حقيقية.
وتطرقت إلى الانتخابات، مشددة على ضرورة التوافق على إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحترم نتائجها من الجميع، إضافة إلى ضمان مشاركة المستقلين والقادرين على إحداث التغيير بغض النظر عن العمر والانتماء الحزبي، والاتفاق على إجراء الانتخابات بشكل دوري، والبدء بانتخابات المجالس المحلية والاتحادات والنقابات.
وأشار البطش إلى أهمية حركة المقاطعة (BDS)، وعملها على عزل الإسرائيلي، والضغط عليه تمهيدًا لعقابه ومحاكمته، مبينًا أنها حققت نجاحات كبيرة إلى الحد الذي اعترف فيه قادة الكيان الإسرائيلي ومراكز بحثية إسرائيلية أن حركة المقاطعة تشكل خطر “إستراتيجيًا ووجوديًا” على إسرائيل. وأضاف: تخاطب حركة المقاطعة العالم من خلال القانون الدولي وتطلب منه أن يلتزم بما نصت عليه القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، فضلًا عن أنها تطالب بتحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وهي الحرية والعدالة والمساواة.
وأوضح أن الأغلبية من نشطاء المقاطعة، من وجهة نظرهم، وليس تعبيرًا عن موقف حركة المقاطعة، يدعمون حل الدولة الديمقراطية الواحدة، لأن هذا الحل هو الوحيد القادر على إنهاء الفصل العنصري والاضطهاد المركب، وضمان السلام والعدالة لكل السكان.
وطرح مجموعة من الاقتراحات لمواجهة صفقة القرن، ومنها: إنهاء كافة أشكال التطبيع، وعلى جميع المستويات، وخاصة التطبيع الفلسطيني، والأخذ بعين الاعتبار الحقوق الأساسية لكل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، والالتفاف حول حركة المقاطعة، والالتزام بما أجمع عليه المجتمع الفلسطيني وعدم الانخراط في فخ التطبيع، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى وعدم القبول بالحلول التصفوية، وتعزيز دور الشباب في مواجهة “صفقة القرن”، وإفساح المجال لهم في ساحة القيادة، والاستفادة من تضحيات الشعب الفلسطيني والمطالبة بمحاسبة الاحتلال وتحقيق وتنفيذ قرارات القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان.
وطرح الحضور مجموعة من المداخلات والأسئلة التي تركزت على أهمية تفعيل دور الشباب في مواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، إضافة إلى تعزيز المشاركة السياسية للشباب في الأحزاب ومواقع اتخاذ القرار.
وتساءل البعض: هل توجد لدينا حركة شبابية واعية ممكن أن أن تشكل ثقلًا لتيار مؤثر في الساحة الفلسطينية؟ في حين أشار آخرون إلى إقصاء الشباب من الأحزاب ومواقع اتخاذ القرار، وإجهاض أي حراكات أو تحركات شبابية ذات أهداف مطلبية سياسية أو اجتماعية، واقترح البعض تأسيس إطار شبابي عابر للجغرافيا ذي تأثير على الساحة، يضم الشباب الفلسطيني في كل مكان، فيما طالب آخرون بتأطير الشباب في أطر وطنية جامعة ذات بعد تحرري، والعمل على تنمية قدراتهم سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا.
يذكر أن مركز مسارات سينظم آخر جلسات مؤتمره السنوي التاسع غدًا الإثنين 31 آب/أغسطس، ويستضيف خلالها خمسة باحثين/ات وناشطين/ات من الشباب، حيث يقدمون تصورات تحت عنوان “الشباب وسؤال ما العمل”.