شرفة

الضم آتٍ، فماذا سيفعل الفلسطينيون؟

كتب هاني المصري: من المتوقع أن تقدم الحكومة الإسرائيلية الجديدة إذا أقلع قطارها، على ضم أجزاء من الضفة الغربية في شهر تموز القادم، طبقًا لما جاء في البرنامج الائتلافي، إذ ينصّ على أن بمقدور رئيس الحكومة أن يتقدم بمشروع الضم بدءًا من الأول من تموز.

لقد حاول بيني غانتس أن يؤجل الضم لستة أشهر لكن بنيامين نتنياهو رفض، فهو يريد أن يسجل في تاريخه أنه أقدَمَ على ضم أجزاء من الضفة، ولكي يحافظ على دعم حلفائه في الأحزاب اليمينية المتطرفة، وجراء خشيته من نجاح جو بايدين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لا سيما أن إخفاق دونالد ترامب في مواجهة فيروس كورونا وخساراته لكل إنجازاته الاقتصادية وضع أكثر من علامة سؤال على فرصه في الانتخابات. فإذا نجح مرشح الحزب الديمقراطي، وقد جرى الضم قبل الانتخابات، فسيكون أمام واقع سيتعايش معه. أما إذا لم يكن قد جرى الضم، فمن الصعب الإقدام عليه، كونه لن يوافق عليه، خاصة أن البرنامج الائتلافي ينص على أن يكون الضم بالتنسيق مع الإدارة الأميركية و”الحوار مع العالم”.

إذا رأت الحكومة الإسرائيلية النور سيكون الضم قادمًا على الأرجح، إن لم يكن في تموز فيمكن في آب أو أيلول، لأن غانتس وضع الأمر كليًا بيد نتنياهو، ويروّج لتبرير ما فعله بأن إدارة ترامب لن تقبل بالضم، ولا يعرف أحد لماذا، وخصوصًا أن رؤية ترامب تتضمن موافقة على ضم أكثر من 30% من الضفة، وأن اللجنة الأميركية الإسرائيلية المكلفة برسم خرائط الضم تعمل على قدم وساق، إضافة إلى حاجة ترامب لدعم المحافظين الجدد والإنجليكانيين تزايدت بصورة كبيرة بعد تراجع شعبيته، وستجعله متحمسًا أكثر للضم .

السؤال الذي يطرح نفسه: ما المساحة التي سيشملها الضم، وهل سيشمل الغور والمستوطنات، أم المستوطنات فقط، أم المستوطنات داخل الجدار، أم كتلة أو اثنتين من المحيطة بالقدس؟

لا أعتقد أن نتنياهو سيذهب إلى الحد الأقصى ويضم الغور والمستوطنات مرة واحدة، خصوصًا أن هناك نقطة في البرنامج الائتلافي تنص على المحافظة على معاهدات السلام، وضم الغور يهددها، وتحديدًا المعاهدة مع الأردن، إذ أعلن رئيس الحكومة الأردنية أن الضم سيجمد المعاهدة. كما أن ضم الكتل الاستيطانية يمكن تبريره وتسويقه بالقول إنها أُدرجت في المفاوضات السابقة ضمن المناطق التي ستضم لإسرائيل في الحل النهائي بموافقة الفلسطينيين ضمن مبدأ “تبادل الأراضي” سيئ الصيت والذكر.

وما يجعل ضم الغور والمستوطنات مرة واحدة وفورًا مستبعدًا، وجود معارضة من أوساط أمنية وعسكرية وسياسية إسرائيلية تعتبر هذه الخطوة مسمومة، ويمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة على الأمن ووجود السلطة.

فمن الصعب على الفلسطينيين، في حال ضم 30% من الضفة، الاكتفاء بالشجب والاستنكار والتهديدات اللفظية بإنهاء كل الاتفاقات من دون تنفيذ ذلك كما حصل سابقًا مرارًا وتكرارًا. كما أن السلطة يمكن أن تنهار بعد الضم، لا سيما في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية غير مسبوقة تفاقمت كثيرا بعد انتشار كورونا، إلى جانب أن أوروبا والأمم المتحدة والصين وروسيا ومعظم العالم أعربوا عن مواقف معارضة للضم.

أما ضم كتل استيطانية فمن المرجح أن يحدث، وهناك خشية من بلعه فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا باعتباره نوعًا من فرض التراجع على نتنياهو، رغم أنه خطير جدا ويدشن مرحلة جديدة على طريق إقامة “إسرائيل الكبرى”، ويتعامل مع الأراضي المحتلة بوصفها “محررة”، وجزءًا من “أرض الميعاد”، وسيفتح الطريق للمزيد من خطوات الضم لاحقًا، وصولًا إلى إقامة إسرائيل كدولة “يهودية نقية” على أرض فلسطين التاريخية، وما يعنيه ذلك من حتمية طرد وتهجير معظم الفلسطينيين. فالمشروع الاستعماري الصهيوني منذ البداية يُطبق بالتدريج، بحيث يتم الإقدام على خطوة ثم هضمها قبل الانتقال إلى خطوة جديدة وهكذا.

رغم ما سبق لا تزال أوساط فلسطينية نافذة تراهن على احتمال عدم تشكيل الحكومة الإسرائيلية المتفق عليها؛ بسبب الطعن الذي قدِّم إلى محكمة العدل العليا على خلفية عدم صحة تولي شخص لرئاسة الحكومة مقدم ضده تهم فساد، وكذلك تراهن على فوز بايدن في الانتخابات الأميركية، الذي “سيلجم” إسرائيل فيما يتعلق بالضم، وعلى تحفظ جيش الاحتلال وأجهزة الأمن وعلى العرب والعالم. وكل هذه رهانات خاسرة لأنها مبنية على حسابات خاطئة، وتبالغ في مسائل لا يمكن أن تعطي نتيجة إن لم يكن الطرف الفلسطيني موحدًا وفاعلًا ويستطيع أن يهدد ويعطي ويأخذ.

الخلاصة: إن ضم الغور والمستوطنات كاملة مرة واحدة غير مرجح، ولكنه ليس مستبعدًا كليًا، لأن إسرائيل المتحكم بها الأحزاب اليمينية المتطرفة تعتبر أن لديها فرصة تاريخية للضم للأسباب الآتية:

أولًا: انشغال العالم بمكافحة وباء كورونا، لذا لن يتوقف كثيرًا أمام ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة، وهذا الوباء جعل حتى التعاون الإسرائيلي الفلسطيني من السلطتين في الضفة وغزة مع دولة الاحتلال يشهد تحسنًا تحت عنوان المصلحة المشتركة بمكافحة الوباء. كما أن العرب منشغلون كذلك، في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية متأزمة، وحروب داخلية مرشحة لاضطرابات كبيرة.

ثانيًا: استمرار الانقسام الفلسطيني وتعمقه رغم الحاجة الماسّة للوحدة في مواجهة رؤية ترامب ومخططات التوسع والضم ومواجهة الوباء.

وهذا يعود إلى خشية الرئيس وحركة فتح من أن تؤدي الوحدة إلى زيادة غضب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد السلطة، ولن تُبلع خطوة مشاركة “حماس” بالحكومة من دون قبول شروط الرباعية حتى من أوروبا. ولأن الوحدة غير ممكنة من دون جعل حركة حماس شريكة فاعلة، وهذا ما لا يريده الرئيس وفتح، بل يريدونها ملحقة بالقيادة التي يتحكمون بها، فهم بدلًا من الإقدام على وحدة مبنية على الشراكة يراهنون على تفاقم أزمة “حماس” لتحقيق وحدة أفضل لهم بالمستقبل، لأنه إذا لم تتغير “حماس” وفقًا لشروط الرباعية الدولية فستغير ولو عسكريًا، أي إذا لم ينجح ترويض “حماس” بالتهدئة وتخفيف الحصار فستضرب.

أما “حماس” فلا تريد الوحدة لأنها لا تريد أن تفقد سيطرتها على قطاع غزة، وهي لا تضمن أنها ستصبح شريكة في السلطة في الضفة حتى لو وافق الرئيس و”فتح” على ذلك، الأمر الذي لا يقرر فيه الفلسطينيون، فالاحتلال هو المقرر الرئيسي. كما أنها تفضل الانتظار لرؤية مصير السلطة هل ستنهار أم ستخضع أكثر للواقع الجاري فرضه على الفلسطينيين، بحيث تتعايش مع رؤية ترامب والحقائق التي تفرضها، إضافة إلى أن “حماس” تراهن على إمكانية نجاح  الجهود للتوصل إلى اتفاق كلي أو جزئي مع إسرائيل لتبادل الأسرى، وتحسين فرص الحفاظ على التهدئة.

ويعزز ذلك تسجيل فترة كورونا باعتبارها أكثر فترة هدوء على جبهة الجنوب، ولم يفعّل فيها قرار استئناف مسيرات العودة التي كانت ستستأنف في ذكرى يوم الأرض الماضي.

إذًا، في ظل ما سبق فإن الوحدة مستبعدة، خصوصًا في ظل عدم تبلور تيار ثالث يمارس ضغطًا شعبيًا وسياسيًا قادرًا على فرضها، وعدم توفر تلاقي عربي إقليمي دولي لفرضها.

في كل الأحوال، إذا جرى ضم واسع أم جزئي، مرة واحدة أو على دفعات، وضمن صيغة ضم مباشر صريح أو ضم مقنّع من خلال فرض السيادة الإسرائيلية، أو لم يجر الضم، فالواقع الفلسطيني حاليًا سيئ جدًا، ويقتضي ردًا فلسطينيًا مختلفًا جذريًا عن الردود التي شهدناها والمرشح أن نشهدها مرة أخرى، لأنه “لو بدها تشتي لغيمت”، فالضم ممكن جدًا أن يتم الشروع فيه بعد شهرين وطرفا الانقسام يكتفون بالتهديدات اللفظية، أما بقية الأطراف الفلسطينية فتكتفي بتسجيل مواقف للتاريخ إلا ما ندر.

إن الاستعداد لتغيير قواعد اللعبة بات ضرورة وليس مجرد خيار، وتحقيقه بحاجة إلى وعي وإرادة وأدوات، والشروع في تحضير لم نره حتى الآن، فحتى حركة فتح تنهشها الصراعات الداخلية حول المراكز والمصالح والخلافة، ولم تجتمع لجنتها المركزية منذ ما قبل وباء كورونا، ولو لذر الرماد في العيون، مع أن الاجتماعات وحدها لا تسمن ولا تغني من جوع إن لم تصدر عنها القرارات المطلوبة التي تنفذ، في حين اجتمعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اجتماعًا تشاوريًا نتج عنه بيان باهت. أما “حماس” فتكتفي بطرح خيارات عدة للوحدة تعرف أنها غير ممكنة فعلًا ما يعكس عدم الجدية.

إن تصريحات الرئيس محمود عباس باعتبار كل شيء لاغٍ بيننا وبين الولايات المتحدة وإسرائيل إذا تم الضم لا معنى لها، إذا لم تسبقها إجراءات ملموسة لبناء البديل، وهي بحاجة إلى وحدة الشعب والفصائل والأرض والقضية على أساس رؤية وإستراتيجية ومشاركة حقيقية. فإذا اعتبرت الاتفاقات والالتزامات لاغية فعلًا، فهذا يعني فقدان السلطة لأهم مصادر وجودها ودعمها، وهي بحاجة إلى بناء بديل قادر على إيجاد جبهة وطنية عريضة تقيم سلطة من نوع جديد. فهل نحن مستعدون لذلك، وهل نملك الإرادة لتحقيقه؟ فهذا السؤال ينتظر من يجيب عنه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى