شرفة

هل أخطأنا بحق عمالنا داخل الخط الأخضر؟

كتب ماجد العاروري: يبدو أننا ارتكبنا خطأ كبيرًا وخطيئة أكبر تجاه عشرات آلاف العمال الفلسطينيين الذين يعملون في المشاريع الإسرائيلية داخل الخط الأخضر، وذلك عندما سمحت الحكومة للعمال الفلسطينيين بالمبيت داخل الخط الأخضر وفقًا للشرط الأمني الإسرائيلي، في وقت يتفشى فيه المرض، إذ أمهلهم رئيس الوزراء في خطاب متلفز مدة ثلاثة أيام ليرتبوا أمورهم مع أرباب عملهم، حيث رأت السلطات الإسرائيلية في انقطاعهم عن العمل خطرًا يهدد قطاع البناء في “إسرائيل”، ولم يتم في ذلك الحين الاستماع للملاحظات التي حذرت من مخاطر دخول العمال إلى “إسرائيل” في ظل انتشار وباء كورونا.

الخطيئة الأكبر جاءت حين تراجعت الحكومة عن موقفها السابق بعد أقل من أسبوع على توجهم للعمل، حيث دعا رئيس الوزراء بتاريخ 24 آذار/ مارس في رسالة صوتية وجهت لقادة الأجهزة الأمنية إلى خضوع كافة العمال العائدين لحجر صحي بيتي مدة 14 يومًا، داعيًا كل عامل منهم إلى التواصل مع أقرب مركز صحي في حال ظهور أعراض المرض عليه، وتوعد كل من يخالف التعليمات بالمساءلة القانونية، ولم يوجه رسالته إلى العمال مباشرةً، فبدا كأنه سيتم التعامل مع العمال بعد اليوم باعتباره ملفًا أمنيًا فلسطينيًا.

وأعقب هذه النبرة أصواتٌ مجتمعيةٌ عديدة بدأت بخطابٍ تحريضي وكراهية تجاه العمال الفلسطينيين، وكأنهم فئة منبوذة عن المجتمع الفلسطيني وسبب الوباء، بل وصل الحد إلى أن تتهم بعض الأصوات على وسائل التواصل الاجتماعي أحد العمال بالمسؤولية عن وفاة والدته، وذهب البعض لاتهام ابنها -كونه يعمل داخل الخط الأخضر- بقتلها، وكأن كل إصابات كورونا الضفة الغربية لم تأتِ نتيجة عدوى من آخرين.

وبدأ يتسع خطاب الكراهية والعنف ضد العمال، فمنهم من كتب: “ما بشبعوا جمع مصاري”، “مش معقول مش قادرين يتحملوا قعاد كم يوم”، “يقيسوا هالأسبوعين سيكر”، إضافة لعبارات أخرى تحرض ضدهم، لدرجة أن البعض بدأ يتعامل معهم كطبقة منبوذة، ويبدو أن هذا ما دفع الناطق بلسان الحكومة في اليوم التالي لتوجيه خطابٍ اتسم بالتقدير والاحترام للعمال، وخاطب قلوبهم وعقولهم من أجل العودة إلى منازلهم.

ثم جاء خطاب رئيس الوزراء بتاريخ 29 آذار/ مارس بذات الاتجاه العقلاني وقال: “الأيام القادمة لن تكون سهلة، لأنه خلال أسبوعين سيعود العمال الذين باتوا في إسرائيل، وعددهم 35 ألف عامل، ونتمنى لهم السلامة وأن لا يحتاج أي منهم للعلاج في مستشفى، ولكن أخذنا كامل الإجراءات المتعلقة بفحصهم ومساعدتهم”.

القصور نحو العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر مستشري منذ نشوء السلطة الفلسطينية ولغاية اليوم، فلم تحرك السلطة ولا النقابات العمالية ساكنًا تجاه ما يتعرض له العمال من اضطهاد، فهم يعملون في ظروف غير قانونية ودون أدنى مستوى حماية، فلا ضمانات في حال إصابتهم في العمل، ولا حقوق نهاية الخدمة أو تعويض وقت الإغلاق، ومعدل رواتبهم أقل بكثير من معدل رواتب نظرائهم في العمل من الإسرائيليين، كما يتعرضون إلى عمليات نصب واسعة من قبل مشغليهم.

ويبلغ عدد العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر قرابة 200 ألف عامل، بينهم 130 ألف يعملون وفق تصاريح قانونية تمنحها لهم السلطات الإسرائيلية، بينما 70 ألف عامل يعملون في ظروف أسوأ من المجموعة الأولى، فلا حماية لهم، وهم عرضة للملاحقة والحبس والتغريم، يخاطرون بحياتهم من أجل لقمة العيش.

الفئة الأولى الحاصلة على تصاريح العمل الإسرائيلية تخضع لتلاعبات عصابات منظمة من السماسرة الذين يوفرون تصاريح للعمال مقابل مبالغ مالية تصل إلى معدل مقداره 2500 شيكل مقابل تصريح مدته شهر واحد أو أكثر بقليل، أي أن ثلث راتب العامل يذهب لسماسرة التصاريح دون أن تبذل المؤسسة الرسمية الفلسطينية أي جهود في التصدي للظاهرة.

العمال الفلسطينيون يعملون في “إسرائيل” بأجر يومي يتراوح بين 300–500 شيكل، لكنهم لا يحصلون على رواتب شهرية منتظمة، بل مقابل أيام عمل، لذا لا تعتبر رواتبهم محل ثقة بالنسبة للبنوك، فهي ترفض منحهم أي قروض، لأنهم لا يحصلون على رواتب منتظمة ولا ضمانة لاستمرار تحويلها إلى البنوك. يضاف لذلك أن هؤلاء العمال أيتامٌ لا نقابات تدافع عنهم أو تحمي حقوقهم.

لا أعتقد أن العمال استثناء، ومن الضروري عودتهم بسلام، وليس تحت الضغط أو التهديد بالقوة، فإن لم يعودوا من تلقاء أنفسهم ستعيدهم “إسرائيل” عنوة، لكن يجب أن تبقى كرامتهم محفوظة، فلا يجوز التعامل معهم بدونية، أو أن يتعرضوا للتحريض، أو أن يتم وصفهم في بيانات رسمية كأنهم خارجين عن القانون أو ضبطهم وتصويرهم ورشهم بالمعقمات.

إنهم فئةٌ طاهرةٌ من المجتمع حان وقت إنصافها وتنظيمها في نقابة خاصة مستقلة يتم انتخاب قيادتها ديمقراطيًا، تتولى حماية مصالح العمال في “إسرائيل” وعقد اتفاقيات قانونية بشأن عملهم، تحارب كل مظاهر استغلالهم وتؤمن لهم حقوقًا مساوية بحقوق الإسرائيليين، فقد كشف وباء كورونا أن استيعاب العمال الفلسطينيين في المشاريع الإسرائيلية ليس منة من أحد، بل حاجة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، وهذا يقوي موقعهم التفاوضي لو كان لهم نقابة حقيقية تمثلهم وملتزمين بقراراتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى