“لمَّة صبايا”.. مقهى نسائي في غزة يتحدى الحصار
فتيات يبحثن عن شرفة للحياة، متنفس لمشاعرهنّ وكلماتهنّ، للتواصل بعيداً عن هموم المعيشة اليومية، والموضوعات المحزنة في مدينتهم المحاصرة، يؤسّسن لأنفسن “لمة صبايا” خاصَّة.
قطاع غزة ـــ في خزاعة، تلك المنطقة البسيطة الواقعة شرق مدينة خانيونس في قطاع غزة المحاصَر، التي شهدت كثيراً من النزاعات والحروب، ويعاني أهلها باستمرار من الاجتياح الإسرائيلي لأجزاء كبيرة من أراضيها، والاعتداءات شبه اليومية على حدودها لقربها من نقاط التماسّ وحدود الفصل العنصري، من تلك المنطقة التي يعيش سكانها وفق تقاليد عامَّة وضوابط تحكمهم، خرجت فكرة إنشاء مطعم خاص للفتيات فقط، ليجتمعن فيه متى أردن، في منطقة لا تعرف -أساساً- أي مقاهٍ أو مطاعم.
السيدة إيمان أبو علي، خريجة كلية إدارة الأعمال، هي صاحبة هذه الفكرة التي بدأت من شعورها وصديقاتها بحاجتهن إلى مكانٍ مخصَّص لهن للترفيه عن أنفسهن، والتجمع فيه مع الصديقات، لا سيما مع انعدام مثل هذه الأماكن في منطقة كخزاعة، وأن أقرب مكان مماثل يبعد كيلومترات عن بيوتهن.
تحمست السيدة إيمان للفكرة وشرعت في تطبيقها على أرض الواقع بعد تشجيع ودعمٍ كبيرين من زوجها الذي لم يبخل بمساعدتها وحثِّها على تأسيس هذا المشروع، على الرغم من حجم الانتقادات التي تعرضت لها في أثناء ذلك، وهذا لعدم اعتياد المنطقة وأهلها مثل هذه الأماكن، فكيف وهي تُخصَّص للفتيات والنساء فقط.
ما يميّز هذا المكان أنه مخصَّص للسيدات فقط، لذلك حرص القائمون على المشروع على أن يكون نسائيّاً أنثويّاً بامتياز، إذ تؤكّد أبو علي أن “المطعم نسائي بحت من حيث الألوان، ومن حيث التصميم؛ المكان هنا أكثر راحة من الأماكن الأخرى، كما أن العاملات في المطعم فتيات أيضاً، وهنّ خريجات جامعيات تحمَّسن للفكرة على الرغم من عملهن في غير تخصُّصاتهن، لكنها فرصة عمل لهن”، بخاصَّة أن القطاع يعاني نسبة عالية جدّاً في بطالة الطلبة والطالبات، في مقابل نسبة عالية جدّاً من المتعلمين وخريجي الجامعات.
على الجانب المقابل قابلت فتيات ونساء منطقة خزاعة المطعم بحفاوة عالية، وأقبلن عليه بشكل ملحوظ يوميّاً منذ افتتاحه رسميّاً، بل أصبحن يطالبن أصحاب المشروع بتطويره إلى أبعد من ذلك، وأخذت اقتراحاتهن تنكبّ على السيدة إيمان. بعضهن اقترح زاوية خاصَّة للكتب والمجلات للقراءة والاستمتاع في أثناء جلوسهن في المكان، وفتيات أخريات اقترحن عليها أن تخصّص زاوية لمصفّفة شعر وقسم للتجميل، وأخريات طالبن بخبيرة تغذية تقدّم لهنّ النصائح.
لقد باتت فتيات وسيدات المنطقة، بمرور وقت قصير على إنشاء المطعم، يشعرن كأنه بيتهن، ومتنفسهن، يدافعن عنه ضدّ من ينتقده، ويسعين مع أصحاب المشروع لتطويره أكثر، يتمسكن به كأنه طوق نجاتهن من الملل والحزن الذي ينخر حياتهن في ظل فقر شديد في أماكن الراحة والترفيه في القطاع المحاصر، إذ تؤكّد عبير أبو دقة، إحدى رائدات المقهى، أنَّ “المكان مريح وجميل والطعام فيه طيب، وكُنَّا ننتظر افتتاحه ونأتي إلى هنا دون أن يمنعنا أحد، فهو مخصص للفتيات، لا أحد يستطيع أن يقول لنا أي شيء”.
إن أكثر ما تحمست له صاحبة الفكرة والمشروع هو توفير فرص عمل لها ولغيرها من الخريجات اللاتي يجدن أنفسهن مع تخرجهن في الجامعة، جليسات في البيوت، على أمل وظيفة ولو مؤقتة (بطالة) وسط شح في الوظائف، وطوابير الانتظار الطويلة، ومن هنا دعت الخريجين إلى عدم الانتظار، والتوجه إلى تأسيس وظيفتهم بأنفسهم عبر مشروعات صغيرة وطموحة كمشروعها هذا، يحقّق لهم المكسب وفي الوقت نفسه يخلق الفرح المعدوم في القطاع.
يُذكَر أنَّ قطاع غزة يشهد فقراً شديداً في أماكن الترفيه والتسلية لجميع الفئات، إلا بعض المقاهي العامَّة التي يرتادها الشباب من الذكور بشكل كبير، فهي متنفَّسهم الوحيد في ظل خناق كبير على شتى وسائل حياتهم وأبسط حقوقهم من عمل وزواج وغير ذلك، بما يصعّب ارتياد الفتيات تلك المقاهي وحدهن في بيئة محافظة كغزة.
معاذ العمور