البيرة، غزة (خاص): قال د. عبد الرحمن التميمي، الأستاذ في جامعتي القدس والعربية الأميركية، إن هناك ترابطًا عضويًا ما بين “صفقة ترامب“والنفوذ الأميركي في غاز شرق المتوسط، إذ إن هناك صراعًا ما بين الولايات المتحدة وروسيا والصين لتعزيز نفوذ كل منهما في شرق المتوسط، إلى جانب صراع إقليمي على النفوذ ما بين تركيا وإسرائيل وإيران في المنطقة.
وأشار التميمي إلى أن من أسباب الاهتمام الأميركي بغاز شرق المتوسط هو فشل استثمار الولايات المتحدة في النفط الصخري الذي استثمرت فيه 400مليار دون تحقيق جدوى اقتصادية، فضلًا عن أن حجم الغاز المكتشف والذي قد يكتشف ضخم جدًا ويترواح وفق التقديرات ما بين 480-780 ترليون قدم كعبة، إلى جانب وجود احتياطات تقدر بـ 340 ترليون قدم مكعبة. ويضاف إلى ذلك أن استخراج الغاز أسهل وأقل كلفة من استخراج النفط، فضلًا عن رغبة أميركا في تعزيز نفوذها في المنطقة والحد من نفوذ الصين، وروسيا، وإيران وحلفائها، لا سيما في ظل انعكاس الميزان التجاري لصالح الصين، وفي ضوء توقع استحواذ الصين على ما نسبته 38% من حجم التجارية العالمية بحلول العام 2022.
وأضاف التميمي أن من ضمن “صفقة ترامب“ تلويح بإمكانية استغناء إسرائيل عن بئري غاز قبالة شواطئ غزة لرفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي في غزة، الذي يقدر حجم الغاز فيها بأكثر من 100 مليار دولار، وذلك مقابل ثمن سياسي يدفعه الفلسطينيون، مشيرًا إلى حديث دائر عن نقاش هذا الأمر في ورشة البحرين الاقتصادية.
وطالب المشاركون في اللقاء إلى القيام بالدور المطلوب لحماية الحقوق والموارد الفلسطينية من نهب الاحتلال، وخاصة غاز غزة، محذرين من استخدامه لابتزاز الفلسطينيين لتقديم تنازلات سياسية، داعين إلى العمل على المستوى الدولي والقانوني لحماية هذه الحقوق والموارد، لا سيما في ظل حصول فلسطين على العضوية المراقبة في الأمم المتحدة.
جاء ذلك خلال لقاء نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقريه بالبيرة وغزة، تحت عنوان “صفقة ترامب وغاز شرق المتوسط“، وسط حضور العشرات من المهتمين من الباحثين والأكاديميين. ووقد أدار اللقاء في البيرة، خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، في حين أداره في غزة، صلاح عبد العاطي، مدير المكتب هناك.
وأشار التميمي في دراسته حول علاقة “صفقة ترامب” بغاز شرق المتوسط إلى وجود وظيفة جديدة لإسرائيل تتمثل في التطبيع الاقتصادي مع العرب والاستفادة من التكنولوجيا، وذلك يحتاج إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتعاون متزايد مع دول الخليج، إلى جانب تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وذلك يحتاج إلى الحد من النفوذ الصيني والروسي، إلى جانب حل الصراع التركي اليوناني، وتحجيم نفوذ إيران في المنطقة، فضلًا عن إجبار لبنان على ترسيم الحدود مع إسرائيل، فضلًا عن تحجيم دور حزب الله الذي يقف في وجه المخطط الرامي إلى توسعة الشواطئ الإسرائيلي قبالة لبنان.
وتطرق التميمي إلى البيئة الدولية في دراسته، إذ أشار إلى محاولة الروس والصينيين الاستفادة من الوضع الراهن لبناء عالم متعدد الأقطاب، ومحاولة الدول الكبرى استغلال المناطق الرخوة باتجاه تعظيم المصالح وبالتالي إعادة تشكيل الجغرافيا، فالولايات المتحدة ترسم لشرق أوسط جديد، وروسيا ترسم لمشروع أوراسيا، أما الصين فتريد استغلال غاز شرق المتوسط لإقامة مشروع حزمة واحدة طريق واحد.
وقال التميمي أن ثوابت روسيا تقوم على أنه لا حدود مع حلف شمال الأطلسي، ونفوذ في منطقة الشرق المتوسط، حيث تناولت وثيقة الأمن القومي الروسي في خطوطها العريضة عددًا من البنود التي ستشكّل إطارًا للتحرّكات الإستراتيجية للدولة الروسية، ومنها قضية الطاقة ومصادرها الطبيعية، مضيفًا أنه على الرغم من أن غاز شرق المتوسط لا يشكِّل بديلًا عن الغاز الروسي، إلا أن موسكو تريد أن تضمن احتكارها السوق الأوروبية من خلال حضورها أيضًا في أي مشاريع غاز مكمِّلة أو بديلة.
أما الصين، وفق التميمي، فقد أسّست رؤيتها على مشروعها القديم (طريق الحرير)، الذي يمتد من الصين عبر آسيا الوسطى إلى شواطئ المتوسط، وهذا ما يجعل الصين تولي هذه المنطقة عناية كبيرة في خطة العلاقات العامة التي تمارسها لإقناع العالم بالمبادرة، موضحًا أن ما يميز السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط هو تركيزها على تهدئة هذه المنطقة، ودعمها للأنظمة الحاكمة، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم.
كما تطرق التميمي إلى حسابات كل من تركيا ومصر وإسرائيل في شرق المتوسط، فأوضح أن حسابات تركيا ترتبط بآمالها في أن يتحول اكتشاف الغاز إلى دافع لإنجاز مصالحة توحد شطري جزيرة قبرص وتتيح لهما الاستفادة من الثروات المكتشفة. أما مصر، ففضلًا عن القيمة الاقتصادية للغاز، فإنه يعد أداة من أدوات تثبيت نظام الحكم والحصول على الشرعية الإقليمية والدولية المطلوبة في ظل غياب شرعية داخلية تتيح للشعب المصري الاستفادة الأمثل من ثروات البلاد.
وأما إسرائيل، فتساعدها الاكتشافات المتزايدة للغاز على الانعتاق من الاعتماد الذي كان قائمًا على مصر، كما تسدُّ فجوة كبيرة في قطاع الطاقة لديها، إلى جانب تحوله إلى رافعة سياسية وأمنية، وإلى سلاح سياسي فعَّال لتحقيق التطبيع مع عدد من الدول العربية في الجوار الإقليمي، لا سيما مصر والسلطة الفلسطينية والأردن.
وتطرق التميمي إلى أن أولوية الاتحاد الأوروبي تعزيز أمن الطاقة لتنويع مصادر الواردات وكذلك تنويع طرق التوريد لا سيما مع تدهور العلاقات الأوروبية الروسية خلال السنوات الأخيرة. أما الولايات المتحدة فتنظر إلى المنطقة من خلال إطار أوسع يتعلق بأولوياتها في الشرق الأوسط، وترتبط غالبًا بضمان تدفق الطاقة وحماية إسرائيل