منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، خططت حكومات الاحتلال المتعاقبة للسيطرة على الأغوار لتصبح أخيرًا “سلة أطماع نتنياهو”، لكن خطوات عملية من الحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور محمد اشتية، والعمل بخطتها “التنمية بالعناقيد”، التي تشمل محافظتي طوباس وأريحا والأغوار، من شأنها أن تعيد الأغوار لصدارة الأهمية كونها “سلة خضروات فلسطين وبوابتها الشرقية إلى العالم”.
ويظهر تحقيق صحافي لـ”القدس” دوت كوم فتحت فيه ملف الأغوار الفلسطينية، حجم السرقة الإسرائيلية لمياهها وأرضها، وحجم التغوّل الاستيطاني فيها، والاعتداءات الإسرائيلية بحق أصحابها، وما تحتاجه كي يعاد إليها اسمها كسلة خضارٍ وفواكه فعليةٍ لفلسطين.
عساف: أطماع إسرائيلية سياسية وأمنية واقتصادية للسيطرة على الأغوار
بالنسبة لإسرائيل، فإنها تسعى لتنفيذ أطماعها في الأغوار منذ عام 1967، إذ يوضح رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف أن إسرائيل تبرر أطماعها بالأغوار بالبعد الأمني، كونها حدودية، لكنها ادعاءات غير صحيحة مع ظهور سلاح الطيران والصواريخ، إلا أنها مهمة للجيوش البرية، مؤكداً أن لا مجال لقيام دولة فلسطينية دون الأغوار لأهميتها السياسية والاقتصادية.
ووفق عساف، ظهرت الأطماع الإسرائيلية بالأغوار في خطة “ألون” عام 1977، ثم محاولات نتنياهو ضم الأغوار 3 مرات خلال فترة توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وتظهر أطماع إسرائيل من خلال عدم الاعتراف بأيّ قريةٍ غير منظمة، وتهجير التجمعات القائمة بخط “ألون”.
ويمتد خط “ألون” من الظاهرية جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية، إلى تياسير، شرق طوباس، شمال شرق الضفة، ويحدد الخط سفوح الضفة الشرقية، ويُمنع الفلسطينيون من البناء شرق الخط، عدا 12 قريةً معترفاً بها، ومنذ احتلال الأغوار، أعلنتها إسرائيل أراضي دولة أو مناطق مغلقة للتدريب العسكري، ما أسّس منعاً للتطور العمراني والاقتصادي الفلسطيني في خط “ألون” الذي تُقدر مساحته بنحو 32% من مساحة الضفة.
وتشكل الأغوار امتداداً واسعاً للسهول الخصبة في فلسطين التاريخية، فهي السهل الثاني بعد السهل الساحلي، والسهل الأول بالضفة، وهي مؤهلة كنواةٍ اقتصاديةٍ زراعية للاقتصاد الفلسطيني.
والأغوار، وفق عساف، تجعل فلسطين دولة مشاطئة على نهر الأردن، فحصة فلسطين بمياه النهر وطبريا تبلغ 240 مليون متر مكعب، وهي كفيلة بإحياء الأغوار زراعياً، وهي مهمة لوقوعها على حوض المياه الشرقي، وفيه 180 مليون متر مكعب من المياه.
الأغوار تشكل 28,6% من مساحة الضفة، وهي قليلة الكثافة السكانية، ومع ازدحام السكان والآمال بعودة الفلسطينيين من الخارج تصبح الأغوار المتنفس للتوسع السكاني الفسطيني فهي المتنفس الطبيعي الوحيد أمام التوسع السكاني، “فإسرائيل تسعى لتدمير حلم قيام دولة فلسطين، ولا يتحقق ذلك إلا بضم الأغوار وتقسيم الضفة إلى كانتونات، والسيطرة على البحر الميت”، يوضح عساف.
ويهدف الاحتلال إلى إغلاق الغلاف الاستعماري الخارجي من الجهات الشمالية والشمالية الشرقية في برية القدس، عبر بؤر استيطانية، وربطها ببعضها، حيث يتم التخطيط حالياً لإقامة مستعمرة جديدة في منطقة المنطار شرق القدس، والهدم في صور باهر بالقدس قبل أشهر جاء لاستكمال الحصار الكامل لمدينة القدس.
واستكمال الطوق الاستيطاني يجعل سكان السواحرة وأبو ديس والعيزرية داخله، ويوقف نموها وتطورها، ويتسبب بترحيل الأهالي إلى رام الله وبيت لحم، لاستكمال تغيير البنية السكانية ضمن مخططات إقامة (القدس الكبرى)، فيما تخطط إسرائيل لإنشاء أكبر مطار هناك، وحرمت السلطة الفلسطينية من إنشاء مطار فلسطيني بين السواحرة والبحر الميت، وتسعى إسرائيل لجعل هذا الغلاف الخارجي آخر حدود سكانية فلسطينية من الشرق مع تهجير التجمعات السكانية وفصل جنوب الضفة عن وسطها، ولهذه الأسباب السابقة تسعى إسرائيل لطرد السكان، يوضح عساف.
ويؤكد عساف أن الفلسطينيين أفشلوا المخطط الإسرائيلي، بخطة تهدف لإعادة بناء ما يتم هدمه، وتعزيز صمود تلك المناطق بالمقومات الأساسية، والانتشار بمناطق “ج”، عبر تقديم كافة الاحتياجات اللازمة ومواجهة الإجراءات الاستعمارية.
وفيما يتعلق بقضية إعلان رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية عدم الاعتراف بتصنيفات اتفاقية اوسلو “أ.ب. ج”، وتبعات القرار، قال عساف: “هناك نظام لدى وزارة الحكم المحلي طلب فيه وزير الحكم المحلي مجدي الصالح من البلديات أن توسع حدودها على أراضيها دون الأخذ بعين الاعتبار في المخططات الهيكلية تصنيفات أوسلو، ودون أُذونات من ما يُسمى “الإدارة المدنية الإسرائيلية”، وهي سابقة تحدث لأول مرة منذ نشوء السلطة”.
ووفق عساف، فإن الحكم المحلي أوجد حلولاً وبدائل، من بينها اقتراح إنشاء صندوق لحماية المنازل أو تعويضها في حال الهدم، “لكن إجراءات الترخيص ستوفر حماية أولية للتوسع في مناطق ج، فوجود مخطط هيكلي بمعايير محددة يؤهل البلدات أو القرى أن توسع مخططاتها، وسينقل الصدام إلى مرحلة الصدام الجماعي عبر البلديات والهيئات المحلية”.
ويشير عساف إلى وجود 22 ألف مبنى غير مرخص في القدس، وخلال السنوات العشر الأخيرة يوجد بالضفة 28 ألف بناء غير مرخص. ويؤكد أن تصنيفات اتفاقية أوسلو مؤقتة ما بين 3-5 سنوات، والقرار الفلسطيني الآن مهم واستراتيجي لتطور مناطق ج، بعدما أرادت إسرائيل جعلها عمقاً استراتيجياً للمستوطنات، ولا بد من جعل مناطق (ج) عمقاً استراتيجياً للبلدات الفلسطينية.
الأغوار.. محط الأطماع الإسرائيلية منذ احتلالها
لم تتوقف أطماع إسرائيل الاستيطانية بالأغوار منذ احتلالها، فسيطرت على المياه، وحرمت الفلسطينيين من استخدام 85% من أراضيها، ومارست تطهيراً عرقياً لإخلاء الوجود الفلسطيني، كما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي مهند عبد الحميد.
يقول عبد الحميد: “كان نتنياهو على وشك اقتناص قرار ضم منطقة الأغوار لدولة الاحتلال، لكنه لم يفلح لاعتبارات تكتيكية، وتحبيذ إدارة ترامب عدم اتخاذ القرار قبل إعلانها صفقة القرن، وكذلك عدم جواز اتخاذ القرار من حكومة تصريف أعمال، ومعارضة جنرالات الاحتلال، لأن ذلك يحرج الحلفاء الإقليميين طالما أن السيطرة الفعلية لإسرائيل، علاوةً على أن الوقائع الإسرائيلية بالأغوار تجعل إعلان الضم شكلي، فالأطماع الأمنية كاذبة لأن العامل الاقتصادي يكسب إسرائيل المليارات”.
ووفق عبد الحميد، تفتقد السلطة والحركة السياسية والمعارضة لاسترايجية بديلة دون انتظار الحل السياسي، ولا بد من الاتفاق مع الأردن ومصر لتناقض ممارسات إسرائيل مع اتفاقياتها معهما، أما اقتصادياً فالدعم الأُوروبي والعربي ورأس المال الفلسطيني بالمناطق المهددة بالضم مهم لتفكيك السيطرة الإسرائيلية.
أما الكاتب والمحلل السياسي عبد الغني سلامة، فيشدد على أن السيطرة الكاملة للفلسطينيين على غور الأردن أمر ضروري وحاسم لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة؛ فالأغوار منطقة حيوية واستثمارية لو سلمت من براثن الاحتلال.
ويشير سلامة إلى أن إسرائيل تعتبر الأغوار حدوداً شرقية لها، يجب أن تبقى تحت سيطرتها، لكن الاستثمارات الإسرائيلية تفضح زيف ادعاءاتها، لأن الأغوار تدر المليارات على الخزينة الإسرائيلية.
استيطان يغزو كل شيء
وتمارس إسرائيل سياسة ممنهجة بالأغوار للسيطرة عليها والبحر الميت بتهجير السكان وإحلال المستوطنين واستغلال أراضيها الخصبة وثرواتها، كما يوضح المستشار القانوني لمحافظة أريحا والأغوار د.هاني زبيدات، الذي يشير إلى أن إسرائيل تسيطر على غالبية أراضي المحافظة كمناطق عسكرية وبؤر استيطانية ومستوطنات، حيث يبلغ عدد المستوطنات والمواقع العسكرية في الأغوار 37 مستوطنة وموقعاً عسكرياً.
ويؤكد رئيس وحدة العلاقات العامة في محافظة طوباس والأغوار أحمد محاسنة أن الهدف المعلن لتلك للانتهاكات الإسرائيلية وقوعها تحت السيطرة الإسرائيلية مناطق “ج”، لكن الهدف إفراغ الأرض من سكانها للسيطرة على الأغوار؛ المنطقة الاستثمارية والاقتصادية المهمة، سواء لخصوبة أراضيها أو استخدامها كمراعٍ.
وتتنوع الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأغوار بإقامة حواجز وهدم منازل وبركسات أغنام ومنع بناء منازل جديدة أو إيقاف بناء لتلك المنازل، ومنع حفر آبار، وتدمير خطوط مياه، واقتحامات المستوطنين والاحتلال المتكررة لمناطق “أ” والاعتداء على المواقع الأثرية والأراضي ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم ومصادرة ممتلكات، وأوامر إخلاء للمساكن بحجة التدريب العسكري، والاعتداء على رعاة الأغنام ومنعهم من الرعي، ومنع تعبيد الطرق وتطوير البنية التحتية، وتقطيع الأشجار وتجريف الأراضي وتخريب المزروعات، علاوةً على استخدام الأغوار منطقة تدريب بكافة أنواع الأسحلة.
خطط ممنهجة لهجر الأراضي الزراعية
وتهدف إسرائيل إلى دفع المزارع الفلسطيني إلى هجر الزراعة وأراضيه في الأغوار التي تعد الأراضي الأكثر خصوبةً وبمناخ تتلاءم معه زراعة كافة أنواع الخضراوات، وعديد أصناف الفواكه.
يقول مدير زراعة أريحا والأغوار أحمد الفارس: “إن الأغوار بأريحا مزروع فيها قرابة 60 ألف دونم، ولكن توجد أراضٍ أُخرى بالإمكان زراعتها تبلغ نحو 60 ألف دونم، لكن تواجهها عقبة عدم توفر المياه واعتبار الاحتلال بعض أراضيها مناطق عسكرية مغلقة على امتداد الحدود مع الأردن”، مشيراً إلى أن المستوطنات في الأغوار تسرق الأرض والمياه، وتنافس بزراعة محاصيل تحتاج إلى مياه، وهو ما لا يستطيعه المزارع الفلسطيني.
قبل قيام السلطة الفلسطينية كانت أريحا تزرع نحو 5 آلاف دونم موز وألف دونم بطيخ، ويُصدران للأردن وسوريا والعراق، وقبل 10 سنوات كانت أريحا والأغوار تزرع 6 آلاف دونم موز، والآن لا يوجد سوى 500 دونم موز و500 أُخرى بطيخ لقلة المياه ومعاناة البطيخ عدة أمراض، لكن هناك محاولات لزراعة البطيخ مجدداً، والآن أصبح الفلسطينيون يستوردون الموز والبطيخ بأكثر من 100 مليون شيقل سنوياً.
منذ نحو 10 سنوات اتجه المزارعون للاستثمار بزراعة النخيل الذي أصبح ينافس عالمياً باستثمارات فاقت 200 مليون شيقل، لعدم استهلاكه كميات مياه كبيرة، وفي الأغوار توجد حالياً 300 ألف شجرة نخيل موزعة على 24 ألف دونم، وقطاع التمور وفر نحو 5 آلاف فرصة عمل، من أصل 15 ألف فرصة عمل وفرها الاستثمار بالزراعة في أريحا، وهو ما يشكل بديلاً عن العمل في المستوطنات.
وتشكل الأغوار الفلسطينية 55% من مساحة الأراضي المروية بالضفة، وتنتج 60% من خضار الضفة، فيما يوجد نحو 70 ألف رأس غنم ونحو 500 رأس بقر في الأغوار.
ويتعرض قطاع الثروة الحيوانية بالأغوار لمضايقات ومنع رعي وتسميم أغنام وسرقتها من قبل المستوطنين، وتتعرض مزارع النخيل والبيوت البلاستيكية لهدم وتجريف وخلع أشجار وإخطارات بخلعها، وتتعرض البركسات الزراعية للهدم وربما المنع، وتتضح كذلك السيطرة الإسرائيلية على المياه، ومحاولات للتضييق على التصدير الزراعي بفرض الجمارك ومنع بعض الأسمدة والأدوية، وتسريب الاحتلال نفايات صلبة للمزارعين مجاناً، بذريعة أنها أسمدة لدفنها بالأراضي الزراعية، لكن مديرية زراعة أريحا منعتها، في حين وفرت دعماً للمتضررين من الاحتلال عبر شركائها بتوفير مشروع زراعي بديل، وتمنع ترخيص أيّ أبنية في الأراضي الزراعية للحفاظ عليها.
وفي محافظة طوباس والأغوار الشمالية، توجد تحديات أمام التنمية الزراعية من خلال النشاط الاستيطاني الزراعي لاستغلال الأراضي الخصبة، وإقامة مزارع الأبقار الضخمة، وعزل جدار الفصل العنصري في طوباس والأغوار 1958 دونماً، كما يسيطر الاحتلال على 84% من مساحة الأراضي، وتعاني الزراعة هناك من إعاقة الاحتلال تأهيل وشق طرق زراعية، وعدم توفر بنية تحتية، وارتفاع تكاليف استصلاح الأراضي وكذلك انتشار الخنازير البرية، ومحدودية القدرات التقنية والتسويق، يوضح مدير الزراعة في طوباس والأغوار عمر بشارات.
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة في طوباس والأغوار نحو 106631 دونم تُُزرع فيها محاصيل حقلية وبستنة شجرية ومحاصيل بعلية، وتشتهر المحافظة بالزراعات المروية والبعلية وتربية المواشي، وإنتاج النباتات الطبية.
ويؤكد بشارات أن وزارة الزراعة تسعى حالياً لإطلاق خطة التنمية بالعناقيد خلال الفترة المقبلة، بالشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، لتعزيز صمود المزارعين وتمسكهم بأرضهم، وزيادة إنتاج وإنتاجية وتنافسية الزراعة في الأسواق المحلية والدولية، والعمل على إدارة المصادر الطبيعية، وزراعة مساحات جديدة بمحاصيل إستراتيجية وعالية القيمة، وتحسين بيئة الأعمال والإنتاج والتصنيع والتسويق الزراعي، ودعم المزارعين والمنتجين المتضررين من ممارسات الاحتلال لتعزيز صمودهم، ودعم الخريجين الجدد بقروض زراعية، وتطوير قطاع الثروة الحيوانية.
الاحتلال يسيطر على غالبية مصادر المياه
تتحكم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمصادر المياه في الأغوار، إذ أحكمت السيطرة عليها بعد احتلالها، وبرغم التطور العمراني والاحتياجات الزراعية وتنوع المحاصيل، فإن إسرائيل تسرق المياه وتحرم الفلسطينيين منها، حيث يؤكد المستشار القانوني لمحافظة أريحا والأغوار د.هاني زبيدات أن إسرائيل تسيطر على غالبية مصادر المياه، وتمنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة، ويتم ردمها حال حفرها بحجة عدم التخيص، برغم أن الكميات الموجودة ضئيلة جداً لا تكفي للشرب ولا للزراعة.
قبل احتلال الأغوار، كانت توجد في محافظة طوباس والأغوار 6 آبار ارتوازية وينابيع تنتج نحو 7 ملايين كوب سنوياً، لكن الاحتلال حفر آباراً عميقةً جُففت بسببها العيون والآبار، وأُجبر الأهالي أن تكون مصادر المياه من الاحتلال فقط، وتزويدهم بنحو 3 ملايين متر مكعب، وهي كميات يحتاجونها سنوياً آنذاك للزراعة والشرب، والآن تلك الكمية لا تكفي نظراً لتزايد الاحتياجات الزراعية وتنوعها وازدياد عدد السكان، يوضح مدير عام التنمية والتخطيط في محافظة طوباس والأغوار خضر دراغمة.
ووفق دراغمة، يطالب السكان بزيادة حصتهم من المياه، فهم يحتاجون الآن نحو 7 ملايين كوب سنوياً، وهي كمية كانت تنتجها آبارهم قبل الاحتلال.
وفي الأغوار مصدران رئيسيان للمياه: آبار جوفية وينابيع، حيث يوضح مدير عام مجموعة الهيدرولوجين عبد الرحمن التميمي أن الينابيع تنتج 50 مليون متر مكعب سنوياً، والآبار الجوفية 45 مليون متر مكعب سنوياً، علماً أن قدرة إنتاج الحوض المائي الشرقي 150 مليون متر مكعب سنوياً.
ويشير التميمي إلى أن إسرائيل منعت الفلسطينيين من حفر آبار جديدة، برغم زيادة الاحتياجات للمياه، ومنعت ترميم وتطوير الآبار القديمة، وحالياً نقصت مصادر المياه في الأغوار نتيجة حفر إسرائيل آباراً بمناطق أكثر عمقاً، وركبت عليها مضخات متطورة، ولم تلتزم إسرائيل بتنفيذ اتفاق أوسلو فيما يتعلق بالمياه في الأغوار، إذ كان من المفترض أن يتم تزويد الفلسطينيين بـ 28,6 مليون متر مكعب سنوياً، وكذلك لم تفِ بتزويد الفلسطينيين باحتياجاتهم المستقبلية من المخزون الجوفي من الحوض الشرقي بقدر 70-80 مليون متر مكعب سنوياً.
ووفق التميمي، فإن الحوض المائي الشرقي استُنزف بسبب ممارسات الاحتلال والتوسع الفلسطيني غير المدروس، لكن الحل الوحيد للأغوار يكون عبر إقامة سدود على السفوح الشرقية للاستفادة من مياه الأمطار المهدورة، وإسرائيل تمنع ذلك، وخطتها الآن إعطاء الفلسطينيين مياهاً من محطات التحلية داخل إسرائيل، واستغلال المياه الجوفية في الضفة الغربية لأغرض التوسع الاستيطاني العمراني والزراعي والصناعي.
الاستثمار في الزراعة جسر إلى العالمية
تمكنت شركة “قطاف” للتسويق الزراعي خلال السنوات الأخيرة من إيصال التمور الفلسطينية إلى الأسواق العالمية، فالشركة التي تتخذ من أريحا مقراً لها، تنتج التمور وتعبئه وتصدره، علاوة على تقديمها الخدمات لعشرات المزارعين، فالزراعة بحاجة لتسويق من أجل إنجاحها، يوضح مدير الشركة معين اشتية.
وتستثمر “قطاف” 600 دونم بقطاع التمور، وتعبئ إنتاجها بماكينات إلكترونية، وهي تمكنت من الوصول إلى العالمية ضمن آلية تخطيط وتسويق لمنتجاتها، فصدرت 1400 طن بالموسم الحالي لدول عالمية، وأنتجت 200 طن للسوق المحلي.
يقول اشتية: “صحيح أن شركات التسويق الزراعي تكفي، لكن تجربتنا تؤكد أن شركات التسويق الزراعي تنظم القطاع الزراعي وتضبط جودة المنتج وتنظم السوق، وبالتالي فإن ذلك ينعكس إيجاباً على زيادة الإنتاج”.
يستثمر المزراع غسان فقهاء بالمحاصيل الحقلية والخضراوات والزراعات المحمية، وكذلك في أشجار الحمضيات والجوافة والعنب، في الأغوار الشمالية، لكنه ومنذ عشر سنوات قل استثماره من 600 دونم إلى 200 دونم لقلة المياه، وتلاشت مزروعات وقل إنتاج المحاصيل المزروعة حالياً، وتلف قسم منها، لقلة المياه، علاوة على ممارسات إسرائيلية كالسيطرة على مصادر المياه الرئيسية، فيما يدعو إلى وجود خطة دعم لصمود المواطنين في الأغوار.
مدارس تتحدى الاستيطان وتعليم على وقع الذخيرة الحية
منذ عدة سنوات أقيمت في محافظتي أريحا وطوباس والأغوار 4 مدارس تحدٍّ، فيما يعاني التلاميذ من ممارسات الاحتلال التي طاولت محيط مدارسهم، إذ يستخدم الاحتلال أراضي واسعة هناك للتدريبات العسكرية وبالذخيرة الحية.
ويؤكد مدير التربية والتعليم في أريحا والأغوار عزمي بلاونة وجود 22 مدرسة حكومية و9 مدارس خاصة، في أريحا والأغوار، فيها 6 آلاف طالب وطالبة في المدارس الحكومية و4 آلاف طالب في المدارس الخاصة و3500 طالب وطالبة في مدارس “الأونروا”، إضافة إلى وجود مدرستي تحدٍ تعرضتا لانتهاكات إسرائيلية وإخطارات بهدمهما، وتعيق ممارسات الاحتلال وحواجزه التلاميذ والمدرسين من بلوغ مدارسهم.
ورممت مديرية التربية والتعليم في أريحا والأغوار عديد المدارس، وأدخلت الطاقة الشمسية إلى بعضها، وأدخلت تحسينات على ظروف البيئة التعليمية، وفتحت فروعاً وتخصصات عدة في المدارس، فيما التعليم يبدأ من رياض الأطفال وحتى الثانوية العامة (التوجيهي).
وفي محافظة طوباس والأغوار، توجد 47 مدرسة ومدرستا تحدٍّ تعرضتا لإخطارات عدة بهدمهما وهدم مرافق لهما، إذ يوضح مدير التربية والتعليم في المحافظة سائد قبها أن التعليم في الأغوار الشمالية التابعة لطوباس يتعرض لانتهاكات مستمرة بإغلاق الحواجز، وهو ما قد يأخر الوصول الآمن للمعلمين والتلاميذ إلى مدارسهم، خاصة أن المدرسين من خارج الأغوار، ناهيك عن منطقة التدريب العسكري الدائمة في تياسير، التي تشكل خطراً على حياة المعلمين والطلبة، وهناك حالات إصابات واستشهاد لأربعة أطفال نتيجة مخلفات الاحتلال خلال العشر سنوات الماضية.
وتحتاج المدارس في طوباس والأغوار باستمرار إلى تطوير وبناء مدارس أُخرى نظراً للزيادة السكانية، فيما يكشف قبها عن وجود موافقة على إنشاء مدارس زراعية ومهنية في المحافظة.
ويوضح قبها أن 168 طالباً وطالبة في المضارب البدوية يتم نقلهم يومياً بحافلة تتبع لمديرية التربية إلى مدارس في قرى وبلدات طوباس، وتحتاج الأغوار الشمالية لرياض أطفال أُخرى لعدم وجود مؤسسات أهلية ترعى رياض الأطفال في ظل المنع الإسرائيلي بإنشاء أيّ مؤسسة، وتوجد مناطق في الأغوار لا تصلها المركبات لعدم وجود طرق ويمنع الاحتلال أيضاً شقها، والمنطقة بحاجة إلى سيارات دفع رباعية لنقل الطلبة إلى مدارس ورياض أطفال خارج أماكن سكنهم.
البحر الميت.. ثروات فلسطين الطبيعية تحت الاحتلال
يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرمان الفلسطينيين من ثروات البحر الميت المتنوعة، إذ يوضح مدير السياحة والآثار في محافظة أريحا والأغوار إياد حمدان أن البحر الميت يُعد أحد أهم المواقع السياحية على مستوى العالم، ويقع في أخفض بقعة على سطح الأرض، وبه مميزات تجعله يحتل أولى الوجهات السياحية الترفيهية والعلاجية، ولوقوعه تحت سيطرة الاحتلال حُرم الفلسطينيون من الاستفادة من مقدراته.
ويؤكد المستشار القانوني لمحافظة أريحا والأغوار د.هاني زبيدات أن البحر الميت فيه مناطق سياحية وفنادق وأماكن ترفيهية قائمة لا يمتلك الفلسطينيون منها أي شيء، وتستغل إسرائيل كل ثروات البحر الميت، ولا يُسمح للفلسطينيين بدخول البحر الميت إلا بشروط إسرائيلية.
من جهةٍ أُخرى، يشير زبيدات إلى أن الاحتلال كذلك يمارس سيطرة كاملة على نهر الأردن، ويمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم تحت بند أنها مناطق عسكرية مغلقة، ويسيطر كذلك على الحقوق المائية للفلسطينيين في نهر الأردن.
محاولات تزوير الرواية الفلسطينية
ولم تقتصر المعركة في الأغوار على الجانب الاقتصادي، بل طاولت المواقع الأثرية، فإسرائيل تسعى لتزوير الرواية الفلسطينية عبر روايتها التلمودية، أو الاعتداء على المواقع الأثرية.
ويبلغ عدد المواقع الأثرية في محافظة أريحا والأغوار 89 موقعاً، تمتد من حضارات ما قبل التاريخ والعصور الحجرية الحديثة وفتراتٍ مختلفة، وشهدت اعتداءات إسرائيلية تنوعت ما بين تشويهٍ للوحات التعريفية والقيام بحفريات أثرية إسرائيلية، واقتحام بعض المواقع لأداء طقوس دينية، وأعمال السلب والنهب والاتجار بالآثار، يوضح مدير سياحة أريحا والأغوار إياد حمدان. ويؤكد حمدان أن سيطرة الاحتلال على معظم المواقع الأثرية أثر بشكلٍ كبيرٍ على قدرة وزارة السياحة والآثار بالاستثمار والحماية والحفاظ على تلك المواقع.
لكنّ إسرائيل سرقت كذلك العديد من المقتنيات الأثرية الفلسطينية من أراضي الضفة الغربية ووضعتها في “المتحف السامري” الذي أقامته في منطقة الخان الأحمر، وتحاول صياغتها وترميمها وفقاً لروايات مغلوطة، وترويجها لزوار المتحف أنها إسرائيلية.
ويوضح حمدان أن أريحا زارها في النصف الأول من العام 2019 نحو 950 ألف سائح، من بينهم أكثر من 600 ألف سائح وافد، والبقية سياح محليون، علاوةً على أن إسرائيل تحرف وجهة السياح الأجانب إلى مناطق أثرية بديلة عن زيارة أريحا، ما أضعف الحركة السياحية في كثير من الأحيان.
وفي محافظة طوباس والأغوار يوجد أكثر من 140 موقعاً أثرياً مرت بحضارات مختلفة تعود إلى حقبة العصور الحجرية وتمتد حتى العصور الإسلامية المختلفة، وتشكل أهمية في التاريخ الفلسطيني والإنساني.
وتلك المواقع مرت بمرحلة تهميش لكن شقت عمليات التنقيب طريقها، ووقوع 80% من تلك المواقع تحت السيطرة الإسرائيلية حدَّ من إمكانية إعادة تأهيلها من قبل وزارة السياحة والآثار، يوضح مدير الآثار السابق في طوباس ورئيس بلديتها خالد عبد الرازق.
ويؤكد عبد الرازق أن الأغوار كانت محط اهتمامٍ لكافة الإمبروطريات التي أقامت في فلسطين، وشهدت المنطقة هجرات سكانية لما تحويه من مناخ وأراضٍ خصبة، ويشير عبد الرازق إلى الطريقة الإسرائيلية الممنهجة للاستيلاء على تلك المواقع بكافة الطرق من تغيير مسمياتها وتهميشها وتدميرها وسرقة آثارها ومحاولات لتزوير الرواية الفلسطينية واستبدالها بأُخرى إسرائيلية، ويقتحم المستوطنون المواقع الأثرية إما لإثبات الرواية، وفي بعض الأحيان يقتحمون موقع مقام “حزقين”، وهو اسم لشخص كنعاني يقع في خربة إبزيق في الأغوار، ويطلق عليه المستوطنون مقام “حسكل” بادعاء أنه مقام للنبي حسكل، ويؤدون فيه طقوساً دينية.
مستشفيان حكوميان فقط في مناطق الأغوار
وتظهر المعطيات التي حصلت عليها “القدس”دوت كوم وجود نقص في الكادر، خاصةً الطبي، في مستشفيات وعيادات الصحة في محافظتي أريحا وطوباس والأغوار، إذ إنه لا يوجد في المحافظتين سوى مستشفيين حكوميين و21 عيادة.
ويوضح مدير صحة أريحا والأغوار أرب عناني أن بعض الخدمات الطبية دخلت إلى أريحا مع قيام السلطة، كالفحص المخبري وتم بناء عيادات في الأغوار، يوجد فيها حالياً 122 موظفاً، برغم أن الموظفين في مديرية الصحة كانوا قبل مجيء السلطة 12 موظفاً، بينهم 4 أطباء، صحيح أنه يوجد نقص في الكادر، لكن نستطيع القيام بعملنا على أكمل وجه، أما التجمعات البدوية فتتم تغطية الخدمة الطبية فيها من خلال مديرية صحة أريحا ومشاركة المؤسسات الأُخرى، فالأدوية الأساسية متوفرة في عياداتنا.
وبحسب عناني، يوجد في أريحا والأغوار مستشفى حكومي واحد، فيه 40 طبيباً ما بين أخصائي ومقيم، ويناوب منهم 4 أطباء، وهو أمر فارق يظهر مدى تطور الخدمة الطبية إذ كان يوجد في المستشفى قبل قدوم السلطة 7 أطباء فقط.
وتغطي مديرية صحة أريحا والأغوار بخدماتها 10 عيادات في أنحاء المحافظة، ويوجد 22 طبيباً في المديرية، من بينهم اختصاصيون، برغم أن العيادات بحاجة لكوادر إضافية ليكون العمل على أكمل وجه، يؤكد عناني.
وفي محافظة طوباس والأغوار، توجد11 عيادة يعمل بها 125 موظفاً ضمن الكادر الطبي والإداري، إضافة إلى مستشفى حكومي واحد يعمل فيه 160 موظفاً ضمن الطاقم الطبي والإداري، بينهم 8 أطباء فقط، إذ إن المستشفى الحكومي في طوباس بحاجة لكوادر إضافية وأطباء اختصاصيين وأجهزة ومعدات للقيام بعمله بالشكل الملائم.
ويؤكد مدير الصحة في طوباس والأغوار د. جميل دراغمة أنه برغم أن الكادر بحاجة إلى لتطوير والأجهزة كذلك، إلا أنه يكفي بالغرض برغم أننا نطمح بالتغيير للأفضل، ووزيرة الصحة د. مي الكيلة وعدت بذلك، فيما يقول دراغمة: “إننا نطالب بإقامة خيام طبية في المضارب والتجمعات البدوية مجهزة بمعدات للطوارئ، وندرب ممرضين من ذات المنطقة للتعامل مع أيّ حالة طارئة لتقديم الخدمات الصحية الأولية لتثبيت الأهالي في أراضيهم.
21 هيئة محلية و3 مخيمات ودعوات لتوحيد الأغوار
في الأغوار الممتدة من شمال البحر الميت إلى بيسان، تنقسم الأغوار إلى محافظة أريحا والأغوار البالغة مساحتها 593 كم2، والتي تضم ثماني هيئات محلية ومخيمي عين السلطان وعقبة جبر، ويعيش فيها نحو 52 ألف نسمة، وكذلك محافظة طوباس والأغوار البالغة مساحتها 405 كم2، وفيها ثلاث عشرة هيئة محلية ومخيم الفارعة للاجئين ويبلغ عدد سكانها نحو 65 ألف نسمة، إضافة إلى 17 تجمعاً سكانياً صغيراً هي مجلس المالح والمضارب البدوية، فيما ظهرت دعوات إلى توحيد الأغوار في محافظة واحدة، أو إمكانية تفعيل هيئة تطوير الأغوار.
ويبدو لافتاً أن محافظة أريحا والأغوار جميع أراضيها دخلت الطابو باستثناء منطقة النبي موسى التي لم تدخل الطابو، لكن السجلات غير متوفرة، وهي موجودة لدى الجانب الإسرائيلي، وفق ما نقل مدير الحكم المحلي في محافظة أريحا والأغوار وليد استيتي عن سلطة الأراضي.
ويوضح استيتي أن البنية التحتية في غالبية الهيئات المحلية في محافظة أريحا والأغوار موجودة من ماء وكهرباء وشوارع ومدارس وعيادات صحية، لكن بالتأكيد فإن أيّ بنية تحتية بحاجة لتأهيلٍ وتطويرٍ مستمرين.
أما في محافظة طوباس والأغوار، فإن مدير الحكم المحلي فيها عادل أبو الرب يوضح أنه تم إنجاز العديد من مشاريع خدمات البنية التحتية والتنموية التي تشمل الكهرباء والمياه والطرق والمخططات الهيكلية والصحة والتعليم وبناء مدرسة في منطقة بردلة.
وفي ظل الأطماع الإسرائيلية التي تتهدد الأغوار الفلسطينية فإن دعوات توحيد الأغوار قد تجد طريقها، من أجل تطوير الأغوار وتوفير ما تحتاجه، حيث يوضح هاني زبيدات أن “فكرة هيئة تطوير الأغوار بدأت في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله وهي فكرة جيدة تعزز صمود المواطنين، وتجعلنا نستفيد من الأغوار بشكل أفضل، لكن تلك الهيئة لم ترَ النور، ونحن نتمنى على رئيس الوزراء الحالي محمد اشتية أن يكمل إنشاء هذه الهيئة”.
ويشير زبيدات إلى أنه يمكن توحيد الأغوار في محافظة واحدة، وربما إنشاء تلك الهيئة، حيث إن الأغوار تتبع إدارياً لأربع محافظات هي طوباس التي تضم (بردلة، وكردلة، وعين البيضا)، وأريحا تمتد من مرج نعجة إلى البحر الميت، والقدس تضم (النبي موسى، والخان الأحمر، وبرية القدس)، ونابلس تضم منطقة فروش بيت دجن، لكن المنطقة الأكبر من الأغوار تقع في محافظتي أريحا وطوباس.